24 مليون ناخب جزائري.. استحقاق تشريعي بنمط مختلف
انتقلت السلطات الجزائرية إلى مرحلة جديدة تحضيرا للانتخابات التشريعية المسبقة المقرر تنظيمها في 12 يونيو/حزيران المقبل.
وأعلنت السلطة المستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات بالجزائر، الاثنين، عن موعد انطلاق الحملة الانتخابية في 17 مايو/أيار المقبل على أن تدخل البلاد في صمت انتخابي اعتباراً من 8 يونيو/حزيران المقبل.
ذلك وفقا لما ينص عليه قانون الانتخابات بأن تكون مدة الحملة الانتخابية 23 يوماً وتنتهي قبل 3 أيام من يوم الاقتراع.
كما كشفت بأن عدد الهيئة الناخبة "المؤقتة" في البلاد (عدد الناخبين) المنتظر تصويتها في انتخاب نواب البرلمان بلغ 24 مليوناً و392 ألفاً و438 ناخباً موزعين على 58 ولاية، بينهم 902 ألف و365 ناخبا في المهجر.
فيما وصل عدد المرشحين المحتملين إلى 10 آلاف و702 مرشح محتمل، وعدد ملفات الترشح التي تم سحبها إلى 1420 ملفاً، في حين بلغ عدد ملفات القوائم الحرة عددا قياسياً وغير مسبوق، إذ وصل إلى 1863 ملفاً وسط توقعات بتضاعف الرقم.
من المرتقب أن يشهد الموعد الانتخابي المقبل مشاركة قياسية للأحزاب السياسية، حيث بلغ عدد التشكيلات السياسية التي سحبت ملفات الترشح إلى 55 حزباً، بينما قررت 3 أحزاب من المعارضة حتى الآن مقاطعتها للانتخابات النيابية المبكرة.
ويتعلق الأمر بحزب "العمال" الذي تقوده لويزة حنون، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" الذي يرأسه محسن بلعباس، وكذا "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" لزبيدة عسول.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمرا رئاسياً خفّض بموجبه عدد مقاعد الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني) بـ55 مقعدا، ووصل بذلك عدد المقاعد إلى 407 بعد أن كانت 462 مقعدا نيابياً في البرلمانات السابقة.
ونفى محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة للانتخابات الشائعات التي تحدثت عن احتمال تأجيل موعد الانتخابات النيابية المبكرة، وأكد عدم "وجود أي مؤشر لتقليص وتيرة التحضيرات السارية لموعد التشريعيات المقبلة".
نمط انتخابي جديد
واستبقت السلطات الجزائرية انتخابات التجديد البرلماني بتغيير "قواعد اللعبة الانتخابية" كما يصفها المراقبون، وأقرت نمطاً انتخابياً جديدا، من أبرز ما فيه "إنهاء العمل بنظام المحاصصة السري".
بالإضافة إلى إبعاد المال عن السياسة عبر عودة العمل بنظام الاقتراع النسبي بدل الاسمي في محاولة لقطع الطريق أمام المال الفاسد وظاهرة بيع المقاعد ورؤوس القوائم الانتخابية، ومعازلة الشباب خصوصاً الجامعيين منهم والمرأة والمجتمع المدني للترشح بقوائم حرة.
وللمرة الأولى، شددت السلطات الجزائرية الإجراءات القانونية والقضائية حول مصادر تمويل الحملات الانتخابية، وأقر القانون الجديد لجنة مستقلة موازية مكونة من ممثلين عن المحكمة العليا ومجلس الدولة ومجلس المحاسبة والهيئة الدستورية العليا لمكافحة الفساد مهمتها التحقيق القضائي في مصادر تمويل الأحزاب والقوائم الحرة في الانتخابات.
وستفرز الانتخابات التشريعية المسبقة المقبلة "7 برلمان تعددي" في تاريخ البلاد، بعد انتخابات 1991، 1997، 2002، 2007، 2012، والأخيرة في 2017.
حسابات السلطة والشارع
وفي الوقت الذي تسابق فيه السلطات الجزائرية الزمن لتمرير ثاني موعد انتخابي في أجندتها السياسية، يبقى مصير انتخابات 12 يونيو/حزيران المقبل معلقاً بحسابات أخرى أبرزها استمرار المظاهرات المطالبة بالتغيير الجذري، وفق تصريحات متفرقة لخبراء وسياسيين جزائريين لـ"العين الإخبارية".
وتباينت القراءات والتوقعات في "البازار السياسي" لـ"24 مليون ناخب" بين جبهتين ترى فيه واحدة "كتلة ناخبة" والأخرى "قوة ضغط".
الأولى ترى بأن القوائم الحرة ستصنع المفاجأة باعتراف أحزاب سياسية وتضمن كسر حالة العزوف المزمن لأغلبية الناخبين الجزائريين بوجوه جديدة من الكفاءات والشباب "لم تتلطخ بماضي الفساد، وتكون نقطة بداية عودة ثقة الشارع في العملية السياسية وبذلك تجنب سيناريو استفتاء نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما قاطعه أكثر من 85 % من الناخبين" بحسب آرائهم.
أما الجبهة الثانية فيمثلها التيار المقاطع من الأحزاب، وترى بأن "الانتخابات المقبلة رهان فاشل" وتشكك في نزاهة سلطة انتخابات "أعضاؤها معينون من السلطة وتسعى لفرض خارطة طريق بالقوة عكس إرادة الشعب" ويطالبون في المقابل بـ"عملية انتقال ديمقراطي" وفق تعبيرهم.
فرصة تاريخية
حبيب براهمية القيادي في حزب "جيل جديد" المعارض يرى في حديث لـ"العين الإخبارية" بأن الانتخابات التشريعية المقبلة يمكن لها أن "تكون فرصة تاريخية للشباب وغيرهم من أجل استرجاع مؤسسات الدولة وبث فيها روح الحراك وتكريس دولة الحريات والقانون، وبتغيير الوجوه ستتغير السلوكيات".
وبحسب القيادي في الحزب المعارض فإن بلاده "تعيش حالياً فرصة تغيير عميق نتج عن عدة عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية دفعت بمرحلة التغيير التي كانت حقيقة لا بد من حدوثها".
مضيفاً أن "التغيير العميق بدأ مع نهاية فترة حكم نظام بوتفليقة الذي تجسد بفضل الحراك الشعبي الذي خرج بتلك القوة في الميدان، وقاطرة التغيير لم يعد بإمكان أي طرف إيقافها".
ويرى السياسي المعارض بأن التغيير في الجزائر "يمكن تجسيده من استرجاع الفضاء العام إلى استعادة مؤسسات الدولة، وفي هذه الحالة سنتجه لتغيير وجه الطبقة السياسية في غضون الأعوام الـ10 المقبلة".
مجازفة سياسية
ووفق قراءة أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرحمن بن شريط لمستقبل المشهد السياسي على ضوء معطيات الموعد الانتخابي المقبل، فإن كثيرا من الضمانات الانتخابية المقدمة من قبل السلطة خصوصاً ما تعلق منها بـ"أسلوب محاولة مخاطبة الشباب كفئة معينة لن يعكس الصورة الحقيقية للمعاناة التي يعيشها المواطن الجزائري".
وفي حديث مع "العين الإخبارية" يعتبر الأكاديمي بأن "الشباب لا يملكون أدوات المقارنة بين الماضي والحاضر وولد من رحم أزمة يعيشها وتكيف معها وأصبحت مسلمة لديه"، منتقدا في السياق التعويل على "أجيال جديدة لا تدرك رهانات ومخاطر المرحلة".
ويعتقد الدكتور بن شريط بأن "شباب اليوم لا يحمل وعياً حضارياً وثقافياً عميقاً جدا ونقولها بكل أسف، وأغلبه أصبح فريسة وهي ضحية مرحلة خصوصاً من النظام السابق، ولا داعي لمغازلة الشباب بهدف امتصاص غضبه أو نصنع له وجاهة شكلية ويراد منه أن يتحول إلى مطية للسياسة بعد أن تم تدميره من مختلف المؤسسات ويراد له اليوم أن يصبح شماعة للسلطة في وقت كان ينتظر تكوين عميق للشباب فيما يراد منه أن يسقط في أتون العمل السياسي".
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjExMSA= جزيرة ام اند امز