أسعار الأضاحي في الجزائر.. شرار التقسيط أو نار الدّين بـ"بنزين السماسرة"
"نار وشرار" ذلك المنبعث من أسواق الماشية بالجزائر قرب عيد الأضحى 2021، بأسعار مرتفعة وضعت الجزائريين في حيرة رغم وفرة المعروض.
كانت تلك أصداء رصدتها "العين الإخبارية" خلال تجولها في بعض أسواق بيع أضاحي العيد بالجملة والتجزئة من خرفان وعجول وبقر ببعض محافظات الجزائر، من بينها العاصمة وبومرداس (وسط) وباتنة (شرق).
رصدٌ كان على مدار أسبوع كامل، لمعرفة منحى الأسعار ومدى تأثرها بعوامل أخرى كما هو سائد بهذا النوع من الأسواق الجزائرية وفق روايات الموالين (بائعي المواشي) والسماسرة والموطنين، لعل أبرزها تدني الأسعار مع اقتراب العيد، أو ارتفاع الأسعار في حال ارتفاع ثمن علف المواشي أو حتى "عدم تساقط الأمطار"، ما جعل أسواق الماشية هذا العام تعيش حالة فريدة من نوعها، وهي أن "يكون العرض أكثر من الطلب".
وعلى الرغم من ذلك، بقيت أسعار المواشي المعروضة في تصاعد غريب بحسب تصريحات بعض الجزائريين لـ"العين الإخبارية"، ما يجعل منها أسواقاً "بعيدة تماماً عن الحسابات الاقتصادية المعمول بها دولياً".
وخارجة أيضا عن "العُرف التقليدي" في تحديد الأسعار الذي وضعته هذه الأسواق منذ القدم، وحتى "ضاربة عرض الحائط" تدخل السلطات الجزائرية لـ"تسقيف" أسعار الأضاحي وإلزام البائعين بمراعاة الظروف الاجتماعية للمواطنين.
ووسط كل ذلك، زاد لهيب أسعار أضاحي العيد من عبء القدرة الشرائية لكثير من الجزائريين الذين وجدوا أنفسهم هذه السنة أمام 3 خيارات وهي: الشراء بالتقسيط، أو الاقتراض أو الحرمان من شراء الأضحية، وفي أسوأ الحالات "رهن شيء ثمين" يكون غالباً "ذهب الزوجة".
أسعار الأضاحي 2021 في الجزائر
وخلال جولة "العين الإخبارية" في بعض أسواق الماشية بالجزائر، رصدت أسعارا "أدناها مرتفع"، إذ بلغت أسعار الخرفان الصغيرة نحو 40 ألف دينار أي ما يعادل نحو 262 دولارا في سابقة لم تحدث بأسواق بيع أضاحي العيد في الجزائر، وفق تأكيدات جزائريين تحدثت معهم "العين الإخبارية" في تلك الأسواق.
ولم تتوقف مفاجآت أسواق الماشية في الجزائر عند "أرخص سعر"، بل تعدت "أعلاها" حدود الخيال، و"كأنك في سوق لأحدث السيارات أو أحدث الأسلحة الحربية" وفق تعبير الجزائري عبد المجيد مسعودي.
وعبدالمجيد مسعودي من منطقة "القُبة" بالعاصمة الجزائرية، التقته "العين الإخبارية" بسوق مدينة "بودواو" التابعة لولاية "بومرداس"، تنقل إلى هناك "بحثاً عن أسعار منطقية" كما قال.
"العين الإخبارية" تجولت مع عبدالمجيد في السوق وهو يتوقف من حين لآخر يسأل عن سعر خروف أو كبش، ومع كل سعر يظهر أن "لا سقف لها"، إذ وصلت أغلاها حتى إلى 150 ألف دينار (1110 دولارات) و200 ألف (1483 دولارا).
وكشف عبدالمجيد في حديثه مع "العين الإخبارية" عن أسعار أخرى صادفها في بعض أسواق العاصمة الجزائرية وصلت إلى "300 ألف دينار" أي ما يعادل 2224 دولارا.
"سماسرة الأزمات"
"العين الإخبارية" حاولت أيضا البحث عن أسباب الارتفاع غير المسبوق في أسعار أضاحي العيد بالجزائر، بين بائعي الأضاحي ومربيها والمواطنين، الذين اختلفت أسبابهم المقدمة.
فمثلا، الصيد مقلاتي وهو أحد مربي وبائعي الخرفان بأحد أسواق مدينة باتنة الواقعة شرقي الجزائر، اشتكى في حديث مع "العين الإخبارية" من "ارتفاع أسعار علف المواشي"، معتبرا في السياق بأنها السبب وراء ارتفاع أسعار أضاحي العيد.
ووفق حساباته، فإن الموّالين في الجزائر يعانون من ارتفاع أسعار علف المواشي ما يضطرهم لرفع أسعارها عند عرضها للبيع لتعويض خسائرهم طوال العام.
وفي السوق ذاتها، رد نور الدين الذي جاء برفقة ابنه لاقتناء خروف العيد بالقول لـ"العين الإخبارية": "مهما كانت تبريراتهم لهذه الأسعار فإن الواقع يؤكد أن المواطن المتوسط الدخل لا يمكنه شراء أضحية هذا العام، فما بالك بالمحدود أو الفقير".
وأشار إلى "فشل محاولات بحثه عن أسعار مرضية أو تتوافق مع موازنته التي رصدها" من خلال جولاته في عدد من الأسواق، ومؤكدا في السياق أن الأسعار "ترتفع من يوم لآخر ما اضطرني لاقتراض مبلغ آخر من صديقي".
إلا أن التوصل إلى إجابة عن سر الارتفاع القياسي في أسعار أضاحي العيد وجدته "العين الإخبارية" خارج تلك الأسواق الكبيرة، وتحديدا في "أسواق صغيرة" تكون في العادة لـ"موّال واحد" أو اثنين على الأكثر، كما هو الحال في منطقة "سيدي موسى" بالعاصمة الجزائرية.
في هذه السوق التقت "العين الإخبارية" مع مراد بلقاسمي، وهو مربي وبائع خرفان، تحدث عن الأسباب التي دفعته لعدم عرض الماشية في الأسواق الكبيرة، لتظهر معه أسرار ارتفاع أسعار الأضاحي بالجزائر.
ومما ذكره في حديثه مع "العين الإخبارية" بأن رفضه يعود بالأساس إلى "احتلال السماسرة تلك الأسواق وسيطرتهم على الأسواق والأسعار بشكل غير معقول"، وأرجع أسباب ارتفاع أسعار الأضاحي إلى "التجار الذي يشترون المواشي بأسعار معقولة من المربين ويعيدون بيعها بأسعار خيالية ويفرضونها على المواطنين" كما قال.
ولم يكتف مراد بتلك المساحة التي يضع فيها الخرفان للبيع، فقد كشف عن لجوئه إلى "البيع عبر مواقع التواصل" بعد أن فتح صفحة خاصة في موقع "فيسبوك" بـ"الصور والأسعار"، مؤكدا أنها "خطوة ثقة لقيت استحسان كثير من سكان العاصمة".
وحدد مراد أسعار ماشيته بين 35 ألف دينار (259 دولارا) و65 ألف دينار (482 دولارا).
التقسيط أو الدين
في مقابل ذلك، رصدت "العين الإخبارية" ظاهرة جديدة في الجزائر تمثلت في "أسواق بيع بالتقسيط" في بعض مناطق العاصمة الجزائرية، وسط تباين في آراء الجزائريين حولها.
وتقدم تلك الأسواق "تسهيلات" للجزائريين بهدف شراء أضحية العيد عن طريق ما يسمى في الجزائر بـ"الكريدي" أو "التقسيط".
وتعرض لزبائنها أضاحٍ بأسعار مختلفة تبدأ من 35 ألف دينار ولا تتعدى 100 ألف دينار (741 دولارا).
أما عن طريقة التسديد التي تقترحها تلك الأسواق، فهي أن يدفع الزبون مبلغاً أولياً قيمته 5 آلاف دينار (37 دولارا) أو 10 آلاف دينار (74 دولارا) حسب قيمة الخروف الإجمالية، على أن يتم تسديد المبلغ في مدة لا تتعدى 9 أشهر.
التسقيف الرسمي
في هذه الأثناء، طرحت "الشركة الجزائرية للحوم الحمراء" الحكومية نظاماً تسقيفياً جديدا للأسعار، من خلال 6 نقاط بيع لها بمحافظات العاصمة والمدية (وسط) وعنابة وبجاية (شرق) ووهران (غرب)، خصص بها 4 ملايين رأس من الخرفان والكباش.
وأعلنت عن بيع أضاحي العيد بجميع نقاط بيعها بأسعار محددة بين 32 ألف دينار (237 دولارا) وأن لا تتعدى 60 ألف دينار (444 دولار ا)، مع تقديم خدمة الذبح مجاناً.
وأكدت الشركة الحكومية أن "العملية متحكم فيها، وكل الماشية المسوقة خالية من الأمراض بشهادات بيطرية".
aXA6IDE4LjE5MC4yNTMuNTYg جزيرة ام اند امز