بأمر كورونا.. حملات افتراضية لانتخابات الجزائر
ملامح مختلفة يرسمها فيروس كورونا لحملات الانتخابات بالجزائر مجبرا المرشحين على "هجرة" الساحات واللجوء إلى العالم الافتراضي.
واقع جديد أبرزته الحملة الانتخابية البرلمانية للاقتراع المقرر في 12 يونيو/حزيران المقبل، حيث انتعشت "سوق الحملات الافتراضية" للمرشحين بشكل غير مسبوق، ووجد المتنافسون في مواقع التواصل الاجتماعي فرصة كبيرة للترويج لبرامجهم ووعودهم الانتخابية وسيرهم الذاتية، والاستفادة من ملايين المستخدمين لهذه المنصات الرقمية.
- انتخابات الجزائر.. "طوفان" المستقلين ينافس 28 حزبا
- بأمر السلطة.. تحصين انتخابات الجزائر من إرهاب الإخوان
غير أن تلك الفرصة لم تكن بحسب تصريحات مرشحين جزائريين تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، "خيارا استراتيجيا" أو "تكتيكاً انتخابياً"، بل فرضتها جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على مجريات الحملات الانتخابية، وحافظت في أيامها الأولى على "الجو الباهت"، وسط عزوف كثير من الجزائريين عن الاهتمام بتفاصيل ومجريات الانتخابات المقبلة.
وانطلقت، الخميس الماضي، الحملة الانتخابية البرلمانية في الجزائر، وسط منافسة شرسة من أكثر من 1400 قائمة يحتكر غالبيتها مرشحون مستقلون في مواجهة 28 حزباً.
الفيروس الصارم
والانتخابات البرلمانية المبكرة المقبلة تعتبر ثاني استحقاق انتخابي تنظمه الجزائر في ظل تفشي جائحة كورونا في البلاد بعد الاستفتاء على التعديل الدستوري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وفاقمت الجائحة من عزوف الجزائريين عن التصويت في الاستفتاء، إذ أكدت سلطة الانتخابات (الهيئة المشرفة على الانتخابات)، أن تفشي الفيروس كان من بين أسباب تدني نسب المشاركة التي لم تتعد حينها 23 %.
وألزمت السلطة المستقلة جميع المرشحين والأحزاب ببروتوكول صحي صارم خلال الحملات الانتخابية، ما أجبر عددا كبيرا من المرشحين خصوصاً المستقلين منهم على "الاستنجاد" بمواقع التواصل لإقناع الناخبين ببرامجهم الانتخابية.
وخصصت الهيئة الانتخابية "هيكلا صحياً" يضم أطباء مختصين لمتابعة مدة تطبيق إجراءات وقواعد البروتوكول الصحي لمنع تفشي كورونا طوال فترة الحملة الانتخابية التي تمتد لـ19 يوماً كاملا.
وأطلق على البروتوكول تسمية "كوفيد مناجير" في جميع محافظات البلاد، يشرف عليه الأطباء في التجمعات الشعبية لمنع تسجيل أي خروقات صحية.
وألزمت الهيئة جميع المرشحين باستغلال نصف طاقة استيعاب القاعات المخصصة للتجمعات الشعبية الانتخابية، وإجبار الحاضرين على ارتداء الكمامات الواقية واستخدام المحلول المطهر واحترام مسافة التباعد الجسدي، وتخصيص كراسي لجميع الحاضرين ومنع الوقوف في التجمعات، وقياس درجة حرارة الحاضرين والمشرفين قبل دخول القاعات.
"طوفان" الكتروني
يبدو من خلال الأرقام والإحصائيات حول مستخدمي الأنترنت في الجزائر أن جائحة كورونا كانت "الضارة النافعة" بالنسبة لمرشحي الانتخابات وفق تعبير مراقبين.
وأظهر آخر تقرير رقمي للجزائر لعام 2021 أن عدد مستخدمي الأنترنت في الجزائر بلغ 26.35 مليون شخص، وهو ما يمثل 59.6 % من العدد الإجمالي لسكان الجزائر المقدر بـ 44.23 مليون نسمة، فيما يبلغ عدد الناخبين أكثر من 23 مليون ناخب.
بينما وصل عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي إلى 25 مليون مستخدماً، بينهم 23 مليون مشترك في موقع "فيسبوك" وهو ما يمثل نسبة 97.9 % من إجمالي مستخدمي منصات التواصل بالجزائر.
بينما تجاوز عدد مشتركي موقع "تويتر" 625 ألف مستخدم، و6.80 مليون مستخدم لتطبيق "انستقرام"، و2.5 مليون مستخدم في منصة "لينكد إن" و5 ملايين مستخدم على "سناب شات".
الأسرع والأضمن
حكيم تواتي، أحد شباب محافظة تيبازة الواقعة وسط البلاد، قرر دخول الغمار الانتخابي للمرة الأولى، كشف في حديث لـ"العين الإخبارية" عن الأسباب التي دفعته لاختيار مواقع التواصل في حملته الانتخابية.
وقال إن "قانون الانتخابات الحالي مختلف عن انتخابات 2017، لا يوجد رأس قائمة، لكن إدارياً كُلفت بإيداع ملفات الترشح الخاصة بالقائمة التي ترشحت فيها ومتابعة المرشحين وخرجاتهم الميدانية وتصرفاتهم".
وأوضح أنه "بعد لقاء مع السلطة المستقلة للانتخابات بمدينة تيبازة، كانت هناك الكثير من التعليمات المهمة من بينها الالتزام بالبروتوكول الصحي على أعلى مستوى، وهناك لجنة طبية مراقبة لكل خطوة خاصة في القاعات من منع المصافحة والمعانقة وغيرها".
ولفت إلى أن التجمعات الميدانية "تمت برمجتها في قائمتنا مع الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية لأن صحة المواطن هي الأهم، والأسهل والأسرع والأكثر ضماناً هي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تصل إلى أكبر شريحة من المجتمع، خاصة وأن أكثر من 80 % من سكان تيبازة من الشباب وكلهم يستخدمون منصات التواصل".
وأكد المرشح أن جائحة كورونا هي التي فرضت على المرشحين اللجوء إلى مواقع التواصل "بنسبة معينة"، مرجعاً ذلك إلى أن عدد متابعي مواقع التواصل "يبقى غير دقيق وأغلب المتابعين من خارج تلك المحافظة، والصفحات المليونية أغلب متابعيها ليسوا حقيقيين".
المناخ العام
أما سعاد مسعودي ميخالدي، إحدى المرشحات المستقلات بالعاصمة الجزائرية، فلها منظور آخر لأسباب "هجرة" المرشحين نحو مواقع التواصل، مرجعة ذلك بالأساس إلى المناخ المشحون الذي يشهده الشارع الجزائري لأسباب اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية.
وأشارت، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن جائحة كورونا كان لها دور كبير في اللجوء إلى مواقع التواصل، ولم نلجأ إلى الحملات الكلاسيكية واعتمدنا بنسبة 60 % تقريباً على منصات التواصل لتعذر التنقل خشية انتشار الوباء، ولظروف أخرى".
وقالت: "يجب أن نتكلم بصراحة، كلنا يعرف حالة الجو المكهرب بسبب الحراك، نخاف على أنفسنا من التعرض لإهانات أو حتى للضرب من طرف البعض ممن لا يرغبون في التغيير، لكن هذا لا يمنعنا كقائمة مستقلة من تنظيم لقاءات مباشرة، ومن أصل 20 تجمعاً انتخابياً قررنا اختصارها في لقاءين اثنين فقط على مستوى المقاطعات".
وتابعت: "من باب الخبرة، فإنه من الصعب إقناع الناخب بأن يصوت لك، خاصة في ظل الأجواء المشحونة، كما أن طريقة الإقناع تلعب دورا في إقناع المرشحين وهو ما يتوفر في اللقاءات المباشرة".
غير أن المرشحة سعاد مسعودي أبدت تفاؤلا بنظرة وثقة الناخب، وقالت: "أعتمد في حملتي الانتخابية على مشواري النظيف وسمعتي الطيبة عند سكان العاصمة، يدي لم تتلطخ بالفساد وساهمت عبر المجتمع المدني في مساعدة الكثيرين طوال مشواري المهني، والناس يفرقون بين الصادق والمتاجر بهمومه وقضاياها".
معركة إلكترونية
انتخابات الجزائر تشهد أيضا ظاهرة جديدة بحسب المتابعين وهي "ترشح عدد كبير من الصحفيين"، كان من بينهم زكي عليلات الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" من داخل حملته الانتخابية بمحافظة المدية (وسط).
وأشار إلى أن الحملة الانتخابية الحالية تتميز بعاملين مهمين أساسيين وهما "جائحة كورونا وشاهدنا تحفظ المواطنين على حضور التجمعات الشعبية وهذا من حقهم، كما أن العالم الافتراضي أصبح عاملا مهما في إنجاح الحملات الانتخابية، لأن الكثير من الشباب يلجؤون يومياً إلى منصات التواصل".
ويرى عليلات أن هناك فرقاً بين خطاب المرشح في التجمعات ومنصات التواصل، معتبرا أن "خطاب المرشح عبر مواقع التواصل يكون بشكل مباشر إلى الجمهور بدون أي نقاش أو سجال، أما التجمعات الانتخابية فتتطلب جهدا إضافيا لإقناع الكتلة الناخبة".
ولفت المرشح الشاب إلى "تركة عهد النظام السابق"، قائلا إنه "ومن الصعب جدا أن تقنع مواطناً ظروفه الاقتصادية والاجتماعية صعبة جدا ببرنامجك، ونحن اليوم كمرشحين شباب وكأننا نتحمل عبء ممارسات مرشحين ونواب كانوا في السابق، والتي فضحتها قضايا الفساد، والأمر يبدو صعبا جدا".