حراك الجزائر يفجر حرب توقيعات.. وتحذيرات من سم الإخوان
انتقل الحراك الشعبي بالجزائر إلى مرحلة جديدة من التصعيد بين أتباعه المتمسكين بالشارع و"أنصاره السابقين".
وتحول الحراك إلى ما يشبه ساحة معركة من نوع آخر، كانت أدواتها توقيعات وهاشتاقات بين المعارضين للسلطة والمعارضين لمن تبقى في المظاهرات، وسط اتهامات متبادلة عن "قمع الآخر".
مشهدٌ دفع مراقبين إلى طرح تساؤلات عن "من يقمع من؟" وإلى أين يتجه المشهد السياسي في البلاد في ظل المنحى الجديد الذي اتجهت إليه الصراعات الداخلية في الحراك الشعبي؟
- لضبط الشارع.. الجزائر تفرض شروطا صارمة لترخيص المظاهرات
- "بيت من زجاج".. تصريحات إخوانية تثير العضب في الجزائر
"أوقفوا الحرب"
وخلال الأسابيع الأخيرة، أطلقت مجموعة من الحقوقيين والصحفيين عريضة أثارت الكثير من الجدل في البلاد وقعها نحو 300 جزائري بينهم أيضا نشطاء معارضون بعنوان "أوقفوا الحرب المعلنة على الشعب".
وجاءت العريضة على خلفية فض الشرطة الجزائرية لمظاهرات العاصمة وبعض المدن الأخرى للمرة الأولى منذ 2019، واعتقالات طالت 900 شخص، بحسب تقديرات هيئات حقوقية محلية.
وأطلقت العريضة منظمة جديدة تطلق على نفسها "نداء 22 فبراير"، يقودها الحقوقي مصطفى بوشاشي وتضم في عضويتها قضاة ومحامين وصحفيين ونشطاء سياسيين.
وزعمت المنظمة بأنها أحصت ما يزيد عن 2800 توقيف في الشهرين الأخيرين، بينما أطلق سراح أغلبهم، فيما لا يزال 48 منهم في السجن المؤقت بتهم "التجمهر غير المسلح وغير المرخص".
وطالب الموقعون على العريضة من الرئيس الجزائري التدخل و"إعادة النظر في السياسة العامة للبلاد" المتعلقة بما أسموه "الحل الأمني" لمظاهرات الحراك الشعبي.
"لا تتكلم باسمي"
في الجهة المقابلة، وقع أيضا أكثر من 500 جزائري على عريضة أخرى بعنوان "لا تتكلم باسمي" موجهة للحقوقي بوشاشي وعدد من الوجوه البارزة في الحراك الشعبي بينهم كريم طابو.
وردّ أصحاب العريضة التي بادر بها الناشط السياسي عماد قابة على عريضة "مجموعة 22 فبراير" وطالبوها بـ"عدم الحديث باسم ملايين الجزائريين وأن يقتصر نشاطهم ومواقفهم على من تبقى في المظاهرات".
وسرعان ما تحول عنوان العريضة إلى هاشتاق أيضا امتد إلى منصات التواصل "تويتر" و"فيسبوك" تداوله عشرات الجزائريين، وسط اتهامات لأنصار العريضة الأولى بما قالوا "إنهم يخدمون أجندات خارجية مشبوهة وأخرى لأركان النظام المسجونين" في محاولة للضغط على السلطات الجزائرية لإطلاق سراحهم على حد تعبيرهم.
كما انتقد عبد الوهاب بن زعيم" النائب بمجلس الأمة الجزائري (الغرفة العليا للبرلمان) الأعضاء الموقعين على عريضة "أوقفوا الحرب" بما أسماه محاولة "استدراج المؤسسات الأمنية إلى الفوضى" ووصف محاولاتهم بـ"البائسة والفاشلة التي يقودها أصحابها" على حد تعبيره.
سم إخواني
ووسط حرب التوقيعات بين الجانبين، أكد مراقبون وجود "سم إخواني مدسوس" في ذلك التصعيد، محذرين من أن "أي تهاون رسمي وشعبي تجاه مخططات الفتنة الإخوانية لجر مظاهرات الحراك نحو العنف قد تقود البلاد إلى سيناريوهات مشابهة لفترة التسعينيات".
وأشاروا إلى وجود أسماء من الحركة الإرهابية متخفية في "مجموعة 22 فبراير" أو بين الموقعين على عريضتهم.
واتهم جزائريون عبر مواقع التواصل حركة "رشاد" الإخوانية الإرهابية بـ"وضع مخطط تدريجي يتجه بالجزائر إلى انفلات أمني عبر خطوات محسوبة مشابهة لتلك المنتهجة في بعض الدول التي شهدت ثورات عربية"، من خلال محاولة "تدويل" الوضع الداخلي تمهيدا لسيناريو مشابه في ليبيا وسوريا بحسب ما ورد في كثير من تعليقات نشطاء تلك الشبكات.
كما حذر حقوقيون مما أسموه "الاختراق الواسع" من طرف الحركة الإرهابية لمظاهرات الحراك الشعبي وكثير من النقابات العمالية بهدف استعمالها "دروعاً بشرية" لشل البلاد، وسط تحرك أمني واسع ضد عناصر الحركة المتطرفة في عدد من مناطق الجزائر خاصة في العاصمة.
وقررت وزارة الداخلية الجزائرية فرض قيود صارمة متعلقة بمنح الترخيص لخروج المسيرات الشعبية التي تحولت منذ عامين إلى "عادة دائمة" كل يومي جمعة وثلاثاء، وهددت بأن "عدم الالتزام بهذه الإجراءات يترتب عنه مخالفة القانون والدستور، مما ينفي صفة الشرعية عن المسيرة ويوجب التعامل معها على هذا الأساس".
وبررت ذلك بـ"الانزلاقات والانحرافات الخطرة والتهويل"، وحددت 4 شروط لـ"إضفاء الشرعية القانونية على المسيرات".
شروط تتمثل في "ضرورة التصريح من طرف المنظمين بأسماء المسؤولين عن تنظيم المسيرة، وساعة بداية المسيرة وانتهائها، والمسار، والشعارات المرفوعة وفق ما يتطلبه القانون وهذا لدى المصالح المختصة".
ظاهرة صحية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية حسين قادري قدم قراءة تحليلية وتفسيرية عن هذه الظاهرة بالجزائر والتي قال إنها "صحية" لكنها تكشف عن أن البلاد في "مفترق طرق".
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "هذا يؤكد على أن الجزائر في مفترق طرق وأعتقد أنها ظاهرة صحية تعبر عن صحوة جديدة، والشيء الذي ينقصها هو فقط الحوار، ولذلك في الغالب عندما تنتقل الأمم من مرحلة إلى أخرى تبدأ بمثل هذا الانقسام".
مستطردا "هذا الانقسام يجب أن يتزامن مع الحوار الشامل وفق أرضية ينطلق منها لها أبعاد عقائدية وحرية وإنسانية، لا تتنكر إلى الماضي ولكن تتطلع إلى مستقبل أفضل".
وفسّر المحلل السياسي ظاهرة حرب التوقيعات بين الجانبين بـ"وقوعهما ضحية المرحلة السابقة والانتقال غير الجاهز"، معتبرا بأن "الجزائر غير جاهزة لحد الآن للانتقال إلى مرحلة أفضل بكثير من المرحلة السابقة".
وتابع "لا بد من الطرفين أن يجدا نقطة وسط من خلالها يمكن الجلوس والتحاور بينهما، وما أوصلنا إلى هذه الاتهامات المتبادلة والتي وصلت إلى درجة التخوين والعمالة وربما الخيانة هو غياب الحوار، ولذلك في بداية ما سميناه الحراك كانت الأمور واضحة وهو إسقاط نظام معين، ومن السهل الاتفاق بشأنه بين الشعب، لكن بناء المشروع الوطني ليس مثل ذلك الذي يهدف لإسقاط أو تغيير نظام".
واعتبر بأن "المشروع الوطني يتضمن ابتعاد ذلك عن تخوين الآخر، وابتعاد الثاني عن الاحتماء بالخارج، لأن ذلك يفقده مصداقيته، والاستقواء بمنظمات حقوق الإنسان أو بدول للضغط أو التدخل فقد أوقعها أسيرة للخارج، والربيع العربي ما انحاز إلا لأنه تمسك بمساعدة الخارج بمختلف أنواعها، والبلدان التي تضررت أكثر هي التي سمحت لنفسها بتدخل أجنبي".