عودة التجارة بين الجزائر وإسبانيا.. نفي رسمي وبيان غامض
بين نفي رسمي وبيان غامض، عاد ملف توتر العلاقات الجزائرية الإسبانية للصدارة مجددا "رغم الترحيب الإسباني".
ومساء السبت، نفت وكالة الجزائرية الرسمية "إعادة العلاقات التجارية مع مدريد"، ووصفت الأخبار المنشورة بـ"المزاعم الكاذبة التي لم تصدر عن أي جهة رسمية".
- بعد تجميد معاهدة الصداقة.. الجزائر تعلق المعاملات التجارية مع إسبانيا
- رغم الأزمة.. مدريد تخفف التوتر مع الجزائر: بلد غازي موثوق منذ 26 عاما
وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية المعروف عنها بأنها "لا تتحدث إلا بإيعاز رسمي"، نشرت تقريرا، مساء السبت، اعتبرت فيه الأخبار والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن "تراجع جزائري برفع التجميد عن المعاملات التجارية مع إسبانيا" مجرد "مزاعم تروجها بعض الأطراف".
وفي تقرير إعلامي اطلعت عليه "العين الإخبارية" بعنوان "العلاقات التجارية للجزائر مع إسبانيا : لا تراجع للدولة" شنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية هجوماً لاذعاً على وسائل الإعلام والجهات التي تحدثت عن "إعادة العلاقات التجارية مع إسبانيا".
وذكرت الوكالة في تقريرها إن "الادعاءات التي تتداولها حاليا بعض وسائل الإعلام حول تراجع مزعوم للجزائر بخصوص علاقاتها التجارية مع اسبانيا، تعتبر عارية من الصحة، لأنه لم تصدر أي أخبار رسمية بهذا الخصوص عن السلطات او الهيئات المختصة".
وأشارت إلى أن "القرارات المتعلقة بالمسائل المالية والتجارية الخاصة بالتزامات الدولة يتم اتخاذها على مستوى مجلس الوزراء، أو من قبل وزارة المالية أو بنك الجزائر ويتم الإعلان عنها عبر القنوات الرسمية".
كما لفتت أيضا إلى أن "القرارات التي تخص القضايا المالية والاقتصادية سيما تلك التي تخص علاقات الجزائر بشركائها التجاريين تندرج ضمن الصلاحيات الحصرية للدولة، وليس من اختصاص المنظمات المهنية على غرار جمعية البنوك و المؤسسات المالية".
رغم أن الهيئة المالية هي التي أعلنت قبل نحو 50 يوما "تجميد التعاملات التجارية من وإلى إسبانيا".
وأشارت وكالة الأنباء الجزائرية في تقريرها إلى أن "جمعية البنوك والمؤسسات المالية التي ذكرتها الوسائل الإعلامية تلك، لا يمكنها أن تحل محل مؤسسات الدولة المكلفة بالمالية والاقتصاد و التجارة الخارجية، فهي مجرد جمعية ذات طابع مهني تدافع عن مصالح أعضائها".
وتابعت: "فالمنظمة سالفة الذكر، هي جمعية تضم 30 بنكاً ومؤسسة مالية تنشط في الجزائر، منها 10 أجنبية من بينها بنكين فرنسيين هما "بي ان بي باريبا" و "سوسيتي جنرال".
ونبهت إلى مهمتها "تتمثل في تمثيل المصالح الجماعية لأعضائها تجاه الغير، سيما لدى السلطات العمومية وبنك الجزائر وهو سلطة ضبط النشاط البنكي".
تعليق تجميد غامض
وفي تعليمة حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، أصدرت "الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية" في الجزائر بيانا عن "رفع التجميد البنكي لعمليات الاستيراد والتصدير من الجزائر وإلى إسبانيا"، وأعلنت بأن قرار التجميد السابق "تم تعليقه".
يأتي ذلك، بعد قرار المؤسسة المالية الجزائرية ذاتها في 8 يونيو/حزيران الماضي "وقف الصادرات والواردات من وإلى إسبانيا"، وتم توجيهها إلى كافة المؤسسات المالية ومدراء البنوك في الجزائر، فيما يشبه بحسب الخبراء "قطعاً للعلاقات الاقتصادية".
وأرجعت سبب قرارها إلى خطوة السلطات الجزائرية "تعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن والجوار مع إسبانيا".
وهو القرار الذي أكدت الحكومة الجزائرية على أنه لن يشمل صادرات الغاز نحو إسبانيا، كما شددت على أن قرار "تعليق معاهدة الصداقة" مع إسبانيا لن يضر باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وأكدت على أن "الأمر ثنائي مع مدريد".
ومطلع الشهر الماضي، أعلنت الجزائر "التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا".
ووقعت المعاهد في أكتوبر/تشرين الأول عام 2002 بين الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة والعاهل الإسباني السابق الملك خوان كارلوس.
وتشهد العلاقات الجزائرية الإسبانية حالة من التوتر غير المسبوق، حيث استدعت الجزائر سفيرها لدى مدريد في مارس/أذار الماضي بسبب خلافات دبلوماسية.
رد فعل رسمي إسباني
ورغم النفي الرسمي في الجزائر، إلا أن قرار "رفع التجميد عن المعاملات التجارية"، سرعان ما قوبل بـ"رجع صدى" في مدريد، إذ أكدت إسبانيا على أنها "تريد علاقات طبيعية مع الجزائر كما هو الحال مع كافة دول الجوار".
ونقلت، السبت، وكالة الأنباء الإسبانية، تعليقاً صدر عن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أكد فيه على أن مدريد "تريد أن تكون العلاقات مع الجزائر هي نفسها تماما كما هو الحال مع جميع البلدان المجاورة، وأن تكون قائمة على الصداقة والمنفعة والاحترام المتبادلين والمساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
خسائر كبيرة
ووصل حجم التبادل التجاري بمعدل سنوي بين الجزائر وإسبانيا أكثر من 8 مليارات دولار، فيما لم يوضح القرار الرسمي إن كان يشمل واردات الغاز نحو إسبانيا.
ووفق آخر إحصائيات رسمية من مصالح الجمارك الجزائرية لآخر شهر من عام 2021، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين الجزائر وإسبانيا إلى نحو 8 مليارات دولار، وهو رقم ضخم جدا مقارنة بواقع التجارة البينية للجزائر مع الخارج.
وإلى غاية نهاية العام الماضي، كانت إسبانيا المورد "رقم 5" للجزائر، والزبون "رقم 3" للجزائر.
وبتفصيل الأرقام، فإن ميزان حجم التجارة المتبادلة مع إسبانيا "في صالح الجزائر"، إذ وصلت واردات إسبانيا من الجزائر مع نهاية العام الماضي 5.64 مليار دولار، تنقسم إلى 3.47 مليار دولار واردات غاز ومواد طاقوية أخرى، و1.42 مليار دولار نفط خام.
أما صادرات إسبانيا للجزائر نهاية 2021، فقد وصلت إلى 2.16 مليار دولار، تنقسم إلى 109 مليون دولار مواد حديدية، و95.3 مليون دولار "أصباغ محضرة".
وفي العامين الأخيرين، حققت الجزائر إنتاجاً من الحديد وصفته بـ"التاريخي"، فاق 2.23 مليون طن، في مقابل شروع الجزائر الاستثمار في مناجم الحديد والرخام بشراكة صينية، والتي تستوردها من إسبانيا، رغم توقعات بارتفاع أسعارهما في الأسواق المحلية الجزائرية بعد وقف استيرادهما من إسبانيا.
وبعد تأكيد الجزائر التزامها بالإبقاء على إمدادات الغاز نحو إسبانيا، في مقابل إصرار مدريد على احترام العقود، يبقى أن قيمة "5.64 مليار دولار" لازالت في خزينة الجزائر، في مقابل خسارة مدريد 2.16 مليار دولار.
إلا أن خبراء اقتصاديين في الجزائر لم يستبعدوا أن تبحث مدريد عن منافذ غازية أخرى لـ"التقليل من الاعتماد على الغاز الجزائري" في ظل المنافسة الشرسة التي تواجهها الجزائر في سوق الغاز الإسباني من عدة دول على رأسها الولايات المتحدة وروسيا والنرويج وقطر.