عيد الحب في الجزائر.. مظاهر متشابهة وآراء مختلفة
"عيد الحب"، مناسبة تتكرر كل عام في 14 فبراير/شباط، قد تختلف وقد تتشابه طرق الاحتفال بها في دول العالم.
لكن "العين الإخبارية" أرادت هذه المرة أن تستقصي نظرة وآراء مختلفة من الجزائر عن هذا هذه المناسبة العالمية أو هذه القيمة السامية التي خصص له عيد سنوي، وهي القيمة الإنسانية التي قد لا تعترف بالحدود أو الأعمار أو الجنسيات أو الحدود، إن كان احتفالا بـ"عيد الحب" أم بـ"الحب".
حب أو عشق، مهما كان نوعه أو تصنيفه، المرأة للرجل، الرجل للمرأة، الابن لوالديه أو لأشقائه، الصديقة للصديقة، الصديق للصديق، أو الإنسان لوطنه، كلها أنواع حب وعشق وربما هيام قد يوصل البعض إلى الجنون.
فرحة الأزواج
"العين الإخبارية" تجولت في بعض شوارع ومحال العاصمة الجزائرية، كان يوماً مكتظاً، وحيوياً، وكانت البداية من سوق "ساحة الشهداء".
لم تكن بداية مبرمجة، بل استوقفنا وجود عدد هائل من النساء والفتيات، اقتربنا من هذا السوق الشعبي المعروف بأسعاره التي تكون عادة في متناول الجميع، وتباع فيه الملابس والعطور والأواني وغيرها.
كنا نعتقد أن الأمر متعلق بتهافت على سلع رخيصة الثمن، لكن لم يكن كذلك، بل تجمعن في هذا السوق بحثاً عن هدايا لأزواجهن وأصدقائهن.
كل من حاولنا الحديث معهن رفضن التصريح، لكن كثيرات أكدن لـ"العين الإخبارية" أنهن يبحثن عن هدية للزوج أو الصديق بمناسبة عيد الحب.
منهن من فضلن عطرا، وأخريات ساعات يدوية، بينما أرادت زوجات التعبير عن حبهن لأزواجهم بهدية تضم ملابس.
الشوكولاتة
الملاحظ في ثقافة المجتمع الجزائري أن تقديم الورد شبه غائب، قليلون فقط من يراها هدية مناسبة، رغم أن الكثير من المحلات توفرها.
إلا أن الشوكولاتة تبقى "الواجهة الكبرى" لعيد الحب في الجزائر، أينما تذهب تجد مختلف أنواعها، وبأحجامها، وبعلب فاخرة، تجدها حتى في محال بيع السجائر والمواد الغذائية.
وفي شارع "موريس أودان" بقلب الجزائر العاصمة، يوجد محل خاص ببيع مختلف أنواع الشوكولاتة، كان مكتظاً عن آخره، من الجنسين، ومن مختلف الأعمار، الكل قصد هذا المحل لاختيار هدية للحبيب.
قيمة الحب
هي كلها مظاهر متكررة كل عام في كثير من مدن الجزائر، ومع كل عيد حب أيضا يطفو نقاش عن نظرة كل واحد ورأيه في الاحتفال بهذه المناسبة، كثيرون يعتبرونها "عادة دخيلة لا يجوز الاحتفال بها"، وكثيرون أيضا يرونها مناسبة "لا تتكرر" للتعبير عن الحب.
لكن وسط كل ذلك، يبدو النقاش عن فكرة "قيمة الحب" غير متاح، وأغلب النقاشات من منطلقات دينية أو تحاول مواكبة "الموضة العالمية".
هذا ما لمسته "العين الإخبارية" من يوم كامل، من أحاديث كثيرة مع كثير من الجزائريين عن نظرتهم لقيمة الحب.
في محل بيع الشوكولاتة بشارع "موريس أودان" التقت "العين الإخبارية" بـ"سيد علي" البالغ من العمر 50 عاما، متزوج وأب لـ3 أيناء.
كان يحمل معه كيساً مليئاً بعلب الشوكولاتة، سألته "العين الإخبارية": لمن هذه الشوكولاتة؟ فكانت إجابته غير متوقعة إلى حد ما.
كانت هذه الهدايا لزوجته وأبنائه ولـ"والديه"، وقال: "أحتفل بعيد الحب، ليس لقصته، بل من أجل هذه القيمة التي نحن بحاجة لها، قد لا يحتاج الحب لعيد، لكننا نعيش في مجتمع من الصعب عليه التعبير عن مشاعره في بقية الأيام".
وتابع قائلا: "كل عام أحرص على إفراح والدي وزوجتي وأبنائي بهذه الهدايا الرمزية، والحب شعور لا يتوقف عند حب الرجل للمرأة، بل هو حب الأبناء والأم والأب والصديق، لست هنا لتقديم الدروس، لكنها نظرتي وقناعتي لمعنى الحب".
تركنا سيد علي عائدا إلى منزله وهو يحمل الحب أكثر منه هدايا للتعبير عن ذلك الحب، قبل أن تلتقي "العين الإخبارية" في نفس الشارع بـ"أنيس" وهو شاب يبلغ من العمر 22 عاماً، كان بصدد توديع صديقته.
سألته "العين الإخبارية": كيف كان يومك في عيد الحب؟ هو الآخر كانت إجابته غير متوقعة، حينما اعترف بـ"عدم قناعته بعيد الحب".
عاودنا سؤاله: كنت مع صديقتك، ألم يكن لقاؤكم بمناسبة عيد الحب؟ فأجاب: "بلى، التقيتها احتراماً لقناعتها بعيد الحب"، فحاولنا استدراجه بسؤال آخر: "هل قدمت لها هدية؟ هل قدمت هي لك هدية؟".
فكانت إجابته كالتالي: "لم أقدم لها هدية وقبل لقائنا أبلغتها بألا تحضر أي شيء، والأمر ليس مرتبطاً بالماديات، لا أؤمن بعيد الحب، ولا بهدايا عيد الحب، التقينا في مطعم، كانت تلك الجلسة بكل حب، هذا هو الحب، أما مظاهر هذا اليوم من شوكولاتة وورد لا أراه حباً".
إجابات أنيس لم تترك لـ"العين الإخبارية" مجالاً لطرح سؤال آخر، فقد كانت وجهة نظر صريحة ومختصرة، لكن ذلك لم يمنع "العين الإخبارية" من البحث عن رأي آخر، لكن معظم الآراء التي وجدناها تراوحت بين انتقاد الاحتفال بعيد الحب، أو أنها ترى في هذا اليوم مجرد يوم للقاء الحبيب.
ورغم أهمية كلام سيد علي وأنيس وغيرهما، وتوفر مظاهر الاحتفال بعيد الحب في الجزائر، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لـ"العين الإخبارية" وهي تبحث عن رأي آخر يتناسب مع أهمية قيمة الحب في عيد الحب.
"العين الإخبارية" سألت العشرات من الجزائريين، قبل أن ينتهي المطاف بمقهى قريب من مقر "ولاية الجزائر"، كان جلوساً من أجل الراحة فقط بعد يوم متعب بحثاً عن إجابات لزاوية مختلفة، أو ربما "استسلاماً وحرجاً"، وقد يكون شعورا بـ"الإحباط".
كانت الساعة تشير حينها إلى 23.30 ليلا بتوقيت الجزائر (22.30 بتوقيت جرينيتش)، كان في المقهى شاب آخر يجلس بمفرده، ترددنا في سؤاله عن عيد الحب، لكنها كانت المحاولة الأخيرة.
اقتربنا منه، كان مرحباً بـ"العين الإخبارية"، سألته عن نظرته لعيد الحب، ولـ"الحب"، اسمه "كسيلة" وعمره 25 عاماً.
كسيلة فتح قلبه لـ"العين الإخبارية" وهو يعترف بأنه أول عام لا يحتفل فيه بعيد الحب، فقد انتهت علاقته بحبيبته، لكن ذلك لم يمنعه من التعبير عن رأيه.
يقول كسيلة في حديثه مع "العين الإخبارية": "كنت أحتفل بعيد الحب مع صديقتي لمدة 5 أعوام، لكن هذا العام أنا لوحدي، ومع ذلك، يجب أن نفهم ما هو الحب".
واستطرد قائلا: "بالنسبة لي، الاحتفال بعيد الحب يكون مع الحبيبة، لأنني أرى فيه عيدا للعشاق، أما الحب فهو مفهوم واسع، أحب والدي وإخوتي وأصدقائي، أعبر لهم عن مشاعري في أيام أخرى، وليس في 14 فبراير".
ويرى كسيلة أنه "ينظر في مجتمعنا على أن الحب مقتصر بين الرجل والمرأة، لكن ذلك حب من نوع آخر، هناك حب الوالدين، وحب الأصدقاء، ولا أجد حرجاً في التعبير لهم عن مشاعري على مدار 364 يوماً، الحب ليس مرتبطاً بيوم ولا بعيد، فهو قيمة سامية".
وأضاف: "أما فيما يتعلق بالحب بين الرجل والمرأة، فيمكنني تلخيصه في جملة واحدة: هو الإخلاص، هو أن أرى من أحبها الأجمل في هذا الكون، هو ألا أسمح لنفسي بالخيانة، الخيانة لا توجد في قاموسي".
كسيلة كان هادئاً جدا وهو يتحدث لـ"العين الإخبارية"، لكن نوعية إجاباته كانت توحي بعكس ذلك بداخله، لم نجرأ على سؤاله عن أسباب حديثه عن الخيانة في يوم عيد الحب، لكنه أجاب على سؤال لم يُطرح عليه.
قال كسيلة الكثير وروى قصته مع الخيانة، لكنه طلب عدم تسجيل حديثه في هذه الجزئية، ورغم حالته النفسية التي كانت "متزنة إلى أبعد الحدود"، ورغم اعترافه بتعرضه للخيانة، إلا أنه أكد بأن "الحب يبقى أسمى قيمة لا يمكن للخيانة أو غيرها أن تشوهها، أو أن تُغير نظرته".
وختم حديثه بالقول: "الحب قيمة نبيلة، والعشق شعور يمكن للإنسان عيشه وتقديمه ما دام قلبه ينبض، مهما كانت نوعية التجارب، الحب الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يغادر الإنسان مهما خُذل، لأنني مقتنع بحب والدي وأصدقائي، ومقتنع أكثر بأنه سيأتي اليوم الذي أجد فيه المرأة التي تشبهني".