قبل المجاعات المتفرقة.. الجزائر تؤمن احتياطي القمح
بين "حروب الغاز والقمح" استعدت الجزائر لتأمين أمنها الغذائي، استعدادا لما وصفته "الفاو" بالمجاعات المتفرقة.
وإذا كان الغاز "لقمة عيش" خزينة الدولة الجزائرية منذ 6 عقود ومصدرا طاقوياً "مُنتجاً ومُصدرا" وضع الجزائر ضمن "خانة الكبار" وأبعدها عن "الصدمة الغازية" التي تعاني منها أوروبا، إلا أنها تسعى في السياق ذاته إلى "تفادي صدمة قمحية" باعتبارها بلدا "مستوردا للقمح أكثر مما تنتجه".
- تبون: الجزائر تملك مخزونات من القمح تكفي لـ8 أشهر
- حرب روسيا وأوكرانيا.. الجزائر تطمئن مواطنيها حول مخزون القمح
هو "الأمن الغذائي" الذي بات مصطلحاً دارجاً على ألسنة كبار المسؤولين الجزائريين، والذي بات تهديدا حقيقياً للأمن الشامل للبلاد – وفق تصريحاتهم – فرضته الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
احتياطي 10 أشهر
و"آخر أخبار سوق القمح" الواردة من الجزائر، ما كشف عنه وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحفيظ هني عن أن مخزون القمح في الجزائر "يكفي لـ10 أشهر" لتلبية الاستهلاك المحلي.
ما يعني أن الجزائر ضمنت شهرين اثنين إضافيين عن تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الشهر الماضي، التي قال فيها إن احتياطات البلاد من القمح تكفي لـ8 أشهر.
وفي تصريحات إعلامية، توقع "هني" "إنتاجاً وفيرا" من القمح الجزائري خلال الموسم الحالي، وقدره بنحو 3.2 مليون طن.
وكشف وزير الفلاحة عن أن الجزائر استوردت في المناقصة الدولية الأخيرة 3 ملايين طن إضافية من القمح، وهو ما رفع مخزون البلاد من هذه المادة الحيوية إلى 10 أشهر، وذلك إلى أكثر من 5.61 مليون طن، وهو "خامس" أكبر احتياطي في العالم من القمح.
استراتيجية جديدة
وأعادت تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي حسابات الحكومة الجزائرية، التي باتت تبحث عن منافذ جديدة أو متجددة لإنقاذ البلاد من شبح ندرة القمح الذي يعد المورد الأساسي في النظام الغذائي للجزائريين.
والجزائر التي تعتبر ثاني أكبر مستورد للقمح بأفريقيا، لجأت إلى نهج جديد لتحقيق "أمن القمح" عبر جملة من الخطوات والإجراءات ذات المدى المتوسط والبعيد والتي تهدف من خلالها إلى تحقيق هدفين اثنين.
الأول – بحسب الخبراء – هو "استمرار تلبية الطلب المحلي بإنتاجها الداخلي والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط بالأسواق العالمية لاقتناء أكبر كميات من القمح لضمان عدم الندرة لأول مكون في النظام الغذائي للجزائريين".
والثاني (على المدى البعيد) "زيادة حجم الانتاج المحلي عبر استغلال أكبر مساحات ممكنة لزراعة القمح خصوصاً بالمناطق الجنوبية، وتخفيض فاتورة استيراد القمح"، وهو الإنتاج المحلي السنوي الذي يحقق للجزائر اكتفاء ذاتياً من القمح يصل إلى نحو 70 %.
وبدأ تحرك الجزائر لتوفير أمنها الغذائي حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا فبراير/شباط الماضي، استنادا إلى مساعٍ حكومية لدعم قطاع الفلاحة الذي قال عنه رئيس البلاد إنه بإمكانه "جلب نحو 25 مليار دولار سنوياً لخزينة البلاد".
وفي هذا التقرير تستعرض "العين الإخبارية" أبرز الإجراءات والخطوات الجزائرية لتأمين احتياجات البلاد من القمح.
دعم المزارعين
في يناير/كانون الثاني الماضي، قررت الحكومة الجزائرية رفع سعر شراء القمح المحلي من المزارعين في خطوة تستهدف تشجيع زراعة السلعة الغذائية الاستراتيجية وتسريع الاكتفاء الذاتي منها.
وقرر مجلس الوزراء الجزائري رفع أسعار شراء القمح والشعير من المزارعين المحليين للتشجيع على الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي.
إذ تقرر رفع سعر شراء القمح الصلد إلى 6 آلاف دينار (43.08 دولار) للقنطار (100 كيلوجرام) من 4500، وتعني هذه الخطوة زيادة سعر شراء القمح المحلي بنسبة 33 %، وكذا رفع سعر شراء القمح اللين من 3500 إلى 5 آلاف دينار.
وتجدر الإشارة إلى أن أسعار القمح ومشتقاته في الأسواق المحلية مدعومة بميزانية الدولة منذ استقلال البلاد عام 1962، ورغم أن ذلك من أسباب العجز السنوي في موازنة البلاد، إلا أن الحكومة الجزائرية لم تكشف إن كان المشروع المرتقب لـ"رفع الدعم" عن المواد الاستهلاكية المرتقب سيشمل أسعار القمح.
زيادة الإنتاج المحلي
ومنذ بداية العام الحالي، وضعت الجزائر استراتيجية جديدة "حمائية" لتحقيق الاكتفاء الذاتي خصوصاً في المنتجات التي تلجأ الجزائر إلى استيرادها بكميات كبيرة، بينها القمح، إذ تصل فاتورة استيراده السنوية إلى نحو 1.5 مليار دولار.
وفي تصريحات سابقة، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن "الحل الجذري" لمواجهة ندرة القمح بالأسواق العالمية وارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية يكمن في زيادة الإنتاج الوطني.
وتعتزم الحكومة الجزائرية – وفق تصريحات الرئيس تبون – "رفع مردودية الحبوب إلى 40 قنطارا في الهكتار".
عوامل النجاح
ورغم تناقض المعطيات بين "حرج الاستيراد" و"ورطة قلة الإنتاج المحلي"، إلا أن المعطيات القديمة تؤكد بأن للجزائر عوامل نجاح ومؤهلات تجعلها "تستغني عن استيراد القمح وتحقيق فائض يفوق الاكتفاء الذاتي"، وهو ما أقرت به حكومة الرئيس عبد المجيد تبون، وهي المعطيات التي تؤكدها أيضا الحقائق التاريخية عندما كانت الجزائر "قبل قرنين" مصدر غداء الأوروبيين لاسيما من مادة القمح.
أول وأهم تلك المعطيات هي تربع الجزائر على "أكبر خزان مائي جوفي في العالم" جنوبي البلاد، والذي يقدر بأكثر من 50 ألف مليار متر مكعب، وهي الكمية التي تكفي الجزائر لـ"40 قرناً" وفق الخبراء.
وفي الوقت الذي ترجع فيه السطات الجزائرية أسباب تراجع الإنتاج المحلي من القمح وغيره إلى "الجفاف" فإن صحراء الجزائر تتوفر على مؤهلات زراعية أكدتها "المنطقة الزراعية" في محافظة "وادي سوف" (جنوب) التي توفر للجزائر سنوياً أكثر من 25 % من حاجياتها الغذائية الزراعية.
العامل الثاني، هو السياسة الحكومية الجديدة ضمن ما عرف بـ"خطة 2024"، إذ تسعى الجزائر لرفع استثماراتها في الزراعات الصناعية الاستراتيجية بالمحافظات الجنوبية.
وكانت زيارة الرئيس الجزائري، الأسبوع الماضي، إلى إيطاليا، واحدة من مساعي الجزائر البحث عن "شركاء زراعيين"، إذ بحث الرئيس عبد المجيد تبون مع المسؤولين الإيطاليين مجالات استثماراتهم في مجال زراعة القمح بالجزائر.
وكشف سفير الجزائر لدى روما عبد الكريم طواهرية في تصريحات لوسائل إعلام إيطالية، عن بحث البلدين "مشاريع تريد من خلالها الجزائر الاستفادة من خبرة الشركات الإيطالية في مجال تحقيق الأمن الغذائي"، وتعهد بأن تقدم الجزائر للمستثمرين الإيطاليين "كافة المزايا".
واردات ضخمة
وتبلغ واردات الجزائرية السنوية من الحبوب بما فيها القمح بنوعيه نحو 7 ملايين طن، بفاتورة تفوق 2 مليار دولار سنوياً.
فيما يقدر معدل الانتاج المحلي السنوي من القمح الصلب نحو 3.17 مليون طن، والمساحات المزروعة 8.6 مليون هكتار.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اعتمدت الجزائر على دفتر شروط جديد و"صارم" لاستيراد القمح و"تنويع المموين" بهدف "كسر احتكار القمح الفرنسي"، وفق ما أكدته مختلف وسائل الإعلام الجزائرية.
وسمح دفتر الشروط الجديد بدخول شركات عملاقة من روسيا وأوكرانيا ودول أخرى "حلبة المنافسة على السوق الجزائرية لتوريدها بمادة القمح".
وتقرر تعديل دفتر الشروط الخاص باستيراد الحبوب في الجزائر بناء على "تعليمات صادرة من السلطات العليا" بهدف الانفتاح على أسواق أوروبا الشرقية وبعض الأمريكو لاتينية بهدف "إنهاء هيمنة القمح الفرنسي" الذي كان يستحوذ على حصة 56 %، قبل أن يتراجع إلى 24 % من ورادات الجزائر من القمح نهاية 2021.
في المقابل، وصل استهلاك الجزائريين للقمح خلال الموسم الماضي نحو 11 مليون طن بحسب إحصائيات رسمية، فيما يبقى الإنتاج المحلي من الحبوب غير كافٍ والذي يلبي حاجة 34 % من الجزائريين، في مقابل استيراد كميات كبيرة لتغطية العجز.
وتعد الجزائر ثاني أكبر مستورد للقمح الأرجنتيني بمعدل استيراد سنوي يفوق 900 ألف طن منه بقيمة 160 مليون دولار.
وجاء دخول الأرجنتين وروسيا وأوكرانيا على خط المنافسة على السوق الجزائرية، قلص كثيرا من حصة فرنسا التي تحتكر واردات الجزائر من القمح، إذ كانت الجزائر الزبون الأول للقمح الفرنسي على مدار أكثر من 5 عقود كاملة، وتستورد نصف الكميات التي تصدرها باريس خارج الاتحاد الأوروبي، وصدّرت حوالي 4.3 مليون طن من القمح إلى الجزائر في 2017 و2018، وفقاً لأرقام رسمية فرنسية.
واستناداً إلى تقرير سابق لكتابة الدولة الأمريكية للزراعة، فقد حافظت الجزائر على مركزها ضمن أكبر مستوردي القمح في العالم، بمتوسط قدره بـ 7.2 مليون طن، فيما تقدر واردات الجزائر الإجمالية من الحبوب خاصة من القمح اللين والذرة ما بين 12 و13 مليون طن سنوياً، فيما يبلغ متوسط استهلاك الجزائري للقمح قدر بـ 10 ملايين طن.
aXA6IDE4LjE5MS4xODkuMTI0IA== جزيرة ام اند امز