القمح قنبلة نووية في الحرب.. من يحاول نزع الفتيل؟
في مشهد ربما يفزع العالم بأسره، تترقب الدول كارثة قد تفوق تداعياتها القنبلة النووية، وهي قنبلة القمح.. لكن من يدفع نحو ذلك؟
منذ أن بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا، حدثت هزة واضطرابات كبيرة في أسواق السلع الأساسية والاستراتيجية لكثير من شعوب العالم، وجاء في مقدمتها القمح، فالأسعار شهدت قفزات سريعة بعد إغلاق موانئ البحر الأسود وتوقف الإمدادات القادمة من البلدان اللتان توصفان بكونهما سلة غذاء للعالم، لتتصاعد معها المخاوف من أزمة جوع واسعة النطاق.
قنبلة القمح
يبدو أن أخطر سلاح يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لامتلاكه، ويصعب على الولايات المتحدة إضافته إلى ترسانتها، هو "قنبلة القمح" الأهم من النووية، والتي تزيدها اشتعالا عبر إصرارها على تشديد العقوبات مع حلفاءها بالاتحاد الأوروبي غير آبهين للتداعيات الخطيرة حال انفجار قنبلة القمح على شعوب العالم.
اليوم على طول البحر الأسود، الذي تعاني موانئه قيود الإغلاق، يتعفن أكثر من 20 مليون طن من الحبوب الأوكرانية بالصوامع والسفن التجارية في أنحاء البلاد، ولا يمكنها الوصول إلى وجهتها من أوكرانيا الموصوفة بأنها خامس أكبر مصدّر للقمح في العالم.
ويتضح من بيانات شركة AgFlow المختصة بتحليل السوق الزراعية، أن صادرات القمح الأوكراني انخفضت 32% في أبريل الماضي، مقارنة بالشهر نفسه قبل عام.
ويشترك روسيا وأوكرانيا بأن لهما العدد نفسه تقريبا من مستوردين، معظمهم بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، ويلجأون لمواجهة احتمال حدوث نقص بالغذاء إلى روسيا لتعويضه، أهمهم مصر وإيران وتركيا، حيث ارتفعت صادرات روسيا إلى تلك الدول 500 و481 و381% على التوالي.
ولا شك أن الارتفاع القياسي لأسعار القمح يسلط الضوء على أكبر منتجي القمح العالميين، ويبحث في الأسواق عن البلد الأكثر جاهزية لتعويض تعطل الإمدادات الروسية الأوكرانية أو لديها فائض كافٍ يمكن تصديره للأسواق.
وتأتي الصين في صدارة الدول المنتجة للقمح عالمياً في عام 2020 بإنتاج 134.25 مليون طن، ثم الهند بالمرتبة الثانية بإنتاج 107.59 مليون طن، ثم روسيا بإنتاج 85.89 مليون طن، وفقاً لأحدث تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية «فاو» صادر في ديسمبر 2021.
وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية بالمرتبة الرابعة بإنتاج 49.69 مليون طن، ثم كندا 35.18 مليون طن، ثم فرنسا 30.14 مليون، وباكستان 25.24 مليون، ثم أوكرانيا ثامناً بإنتاج 24.91 مليون طن.
وتحل ألمانيا في المرتبة التاسعة بإنتاج 22.17 مليون طن، ثم تركيا 20.5 مليون طن.
وأشار تقرير "فاو"، إلى أن إندونيسيا تعد أكبر الدول المستوردة للقمح بإجمالي 10.299 مليون طن، ثم تركيا بـ9.65 مليون طن.
وجاءت مصر بالمرتبة الثالثة باستيراد 9.042 مليون طن، علماً بأن مصر تأتي بالمرتبة الـ17 بين أكبر المنتجين للقمح بإجمالي 9 ملايين طن.
وتحل الصين رابعاً باستيراد 8.15 مليون طن، ثم إيطاليا 7.99 مليون، والجزائر 7.05 مليون، والبرازيل 6.16 مليون، والفلبين 6.15 مليون، وبنغلاديش 6.01 مليون، وعاشراً نيجيريا باستيراد 5.9 مليون طن.
وبلغ حجم صادرات القمح العالمي نحو 198.526 مليون طن في عام 2020، مقابل 180.17 مليون طن في عام 2019.
وجاءت روسيا بصدارة الدول المصدرة للقمح في 2020 بإجمالي 37.26 مليون طن، ثم الولايات المتحدة بـ26.13 مليون، وكندا 26.1 مليون، وفرنسا 19.79 مليون طن.
فيما حلت أوكرانيا في المرتبة الخامسة ضمن أكبر مصدري القمح عالمياً بمقدار 18.05 مليون طن، ثم أستراليا بـ10.40 مليون، والأرجنتين بـ10.1 مليون، وألمانيا 9.25 مليون طن. وحلت بالمرتبة التاسعة كازاخستان بتصدير 5.19 مليون طن، وعاشراً بولندا 4.30 مليون طن.
روسيا مستعدة لتأمين غذاء العالم.. والغرب يُفاقم الأزمة
من جانبه، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرونة كبيرة بشأن تصدير الحبوب «بلا قيود» من أوكرانيا، لتفادي معاناة دول العالم الأكثر فقراً، وقال في 28 مايو 2022 خلال اتصال هاتفي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، إن روسيا على «استعداد للمساعدة في إيجاد حلول من أجل تصدير الحبوب بلا قيود بما في ذلك الحبوب الأوكرانية الآتية من المرافئ الواقعة على البحر الأسود»، وسط مخاوف من أزمة غذائية خطيرة بسبب الحرب الأوكرانية، محذراً في الوقت نفسه من «زعزعة» أكبر للوضع في حال استمرار تسليم الأسلحة الغربية لكييف.
وبحسب برلين، «تعهد (بوتين) بأن روسيا لن تستغل فتح حزام الألغام - الذي أقيم لحماية الموانئ الأوكرانية للسماح بتصدير الحبوب بالسفن - للقيام بأعمال هجومية». وأشارت المستشارية الألمانية إلى أن المسؤولين الثلاثة اتفقوا على «الدور المركزي» الذي يجب أن تلعبه الأمم المتحدة لضمان حصول عمليات التصدير.
بدورها، لا تستطيع روسيا بيع إنتاجها بسبب العقوبات الغربية التي تطول قطاعيها المالي واللوجيستي. وينتج البلدان ثلث ما يحتاج إليه العالم من قمح.
وخلال المكالمة الهاتفية، ركز بوتين أيضاً «على الطابع الخطير لمواصلة إغراق أوكرانيا بأسلحة غربية، محذراً من أخطار زعزعة أكبر للوضع ومفاقمة الأزمة الإنسانية»، وفق الكرملين.
وأوضح بوتين أن الصعوبات المتصلة بالإمدادات الغذائية سببها «سياسة اقتصادية ومالية مغلوطة من جانب الدول الغربية، إضافة إلى العقوبات على روسيا». وأكد بوتين أن زيادة إمدادات الأسمدة والمنتجات الزراعية الروسية يمكن أن تؤدي إلى خفض التوتر في السوق الزراعية العالمية، «الأمر الذي يستدعي بالتأكيد رفع العقوبات ذات الصلة» عن موسكو. وأوكرانيا مصدر رئيسي للحبوب، وخصوصاً القمح والذرة، لكن إيصال إنتاجها معطل بسبب المعارك.
وكانت روسيا قد كشفت في 27 مايو 2022 عن تعهدها بتصدير 50 مليون طن من الحبوب، ودراسة استخدام العملات المشفرة للمدفوعات الدولية، وسط أزمة عالمية بأسعار الغذاء.
وأكدت وزارة الزراعة الروسية التوقعات الأولية لحصاد الحبوب، وتعهدت بتصدير ما لا يقل عن 50 مليون طن من الحبوب، إذا ما تحققت تلك التوقعات.
ونقلت وكالة أنباء انترفاكس عن نائبة وزير الزراعة أوكسانا لوت خلال ظهورها في منتدى الحبوب الروسي، الجمعة 27 مايو الجاري: تتوقع الوزارة حاليا أن يبلغ الحصاد 130 مليون طن.. وبهذه النتيجة، يمكننا تصدير 50 مليون طن.
وأضافت أوكسانا لوت أن صادرات الحبوب يمكن أيضا أن تصل إلى أكثر من 50 مليون طن.
وأرجعت تمديد الحظر المفروض على صادرات عباد الشمس إلى ما بعد شهر أغسطس/ آب، بالإشارة إلى نقص احتياطات البلاد من هذا المنتج.
"المجاعات المتفرقة" تهدد العالم.. والسبب عقوبات الغرب
ويخشى الخبراء حدوث مجاعة في أجزاء من العالم بسبب إغلاق الموانئ الأوكرانية. ورفضت موسكو الاتهامات بالتكهن في هذا الأمر وتتهم الغرب من جهتها بالتسبب في تفاقم أزمة الغذاء جراء العقوبات المفروضة عليها.
وتلعب أوكرانيا دوراً كبيراً كمصدر للغذاء في العالم، حيث تساهم بتوفير 42 في المئة من زيت عباد الشمس الذي يتم تداوله في السوق العالمية، و 16 في المئة من الذرة و 9 في المئة من القمح.
وتفيد بيانات المفوضية الأوروبية بأن تونس تستورد من أوكرانيا 52 في المائة من احتياجاتها من القمح، فيما تستورد ليبيا 44 في المائة، ومصر 26 في المائة، وتعتمد باكستان والهند، حيث يعيش 1.7 مليار نسمة، على القمح الأوكراني بنسبة 50 في المائة.
ويخشى الأوروبيون أن عدم وصول القمح إلى هذه الدول في الأشهر القليلة المقبلة، من شأنه أن يتسبب في مجاعة غير مسبوقة، وأزمة اقتصادية واجتماعية تدفع بموجات المهاجرين إلى أوروبا عاجلاً أو آجلاً. ويفيد المجلس العالمي للحبوب بأن أوكرانيا كانت تصدّر قبل الحرب 19 مليون طن من القمح، و24 مليون طن من الذرة، وأن وقف هذه الصادرات أحدث خللاً كبيراً في السوق العالمية، وأدى إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار بات يهدد الأمن الغذائي العالمي.
الأسلحة مقابل القمح.. واشنطن تثير أزمة غذاء في أوكرانيا
قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن واشنطن تثير أزمة غذائية في أوكرانيا، وتحاول سحب احتياطيات الحبوب من هناك، وبالتالي حرمان أوكرانيا منها.
ولفتت زاخاروفا، إلى بيان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي أدلى به في 10 مايو الجاري، حول الحاجة لإيجاد فرص لسحب 20 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا مع توقيع قانون الإقراض والتأجير الأوكراني، «اتضح أن كييف ستدفع ثمن الأسلحة الأمريكية بالقمح».
وتابع: الأمريكيون أنفسهم يثيرون أزمة غذائية في أوكرانيا، من خلال حرمانها من احتياطياتها من الحبوب.
وجدير بالذكر أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أفادت مطلع مايو الجاري إنه قد جرى تخفيض توقعات الإنتاج العالمي للقمح في عام 2022 بشكل معتدل منذ شهر أبريل الماضي، ولكن في ظلّ بلوغه 782 مليون طنّ، ما زالت المنظمة تتوقع نمو الإنتاج العالمي من القمح هذا العام. ويتعلّق الانخفاض من شهر إلى آخر بصورة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعاقت ظروف الجفاف المستمر توقعات الغلال للمحصول الشتوي من القمح وكبح التوقعات الإجمالية للإنتاج.
وفي أوروبا، تبقى توقعات إنتاج القمح في أوكرانيا على حالها من دون تغيير ودون مستوى المتوسط، الأمر الذي يعكس تأثيرات النزاع التي من المتوقع أن تقلّص المنطقة المحصودة بنسبة 20% على الأقل.
كذلك، من المتوقع أن تتراجع الغلال في عام 2022 بسبب الاختلالات المتصلة بالصراع القائم في العمليات الزراعية قبل فترة الحصاد.
aXA6IDE4LjE5MS4xNTQuMTMyIA==
جزيرة ام اند امز