خبيران جزائريان: "المستقلون" يرسمون خارطة سياسية جديدة
كيف سيكون المشهد السياسي بالجزائر بعد انتخابات 12 يونيو/حزيران؟ هو أكثر الأسئلة المطروحة مؤخرا على الساحة السياسية في الجزائر.
خبيران جزائريان قدما "قراءتين متباينتين" للسيناريوهات المتوقعة لأول انتخابات تشريعية بعد رحيل نظام عبد العزيز بوتفليقة، وإن التقت عند استشراف "تغير جذري للخارطة السياسية" للبلاد، يرسم فيها المستقلون "تلك الخريطة"، ومتوقع أن تقلب موازين القوى داخل البرلمان.
- برلمان الجزائر.. 9 مهام للغرفة السفلى و33 "حدا" تشريعيا
- "رقابة محلية".. انتخابات الجزائر بلا إشراف دولي لأول مرة
وتوجه السبت، نحو 24 مليون جزائري إلى مكاتب الاقتراع في 58 محافظة والممثليات الدبلوماسية بالخارج لاختيار ممثليهم الـ407 في "المجلس الشعبي الوطني" (الغرفة الثانية للبرلمان).
وشهدت الانتخابات الجزائرية إقبالاً متفاوتاً بين مكاتب التصويت والولايات، وسط مقاطعة شبه كلية من منطقة القبائل الأمازيغية، بينما وصلت نسبة المشاركة الإجمالية خلال ساعتي التصويت الأولى 3.72% بحسب تقديرات السلطة المستقلة للانتخابات (الهيئة المشرفة على الانتخابات).
وأدلى كبار المسؤولين الجزائريين يقودهم الرئيس عبد المجيد تبون بأصواتهم في الانتخابات النيابية المبكرة لانتخاب سابع برلمان تعددي.
وقلل الرئيس الجزائري من أهمية "نسب المشاركة الضعيفة" في الاستحقاق الانتخابي، وأكد أن الأهم "هو شرعية من يتم انتخابهم"، في إشارة بحسب المتابعين على رهان السلطة للخروج ببرلمان "غير مطعون في شرعيته" كما حديث مع البرلمانات السابقة.
"شتات المستقلين"
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور حسين قادري قدم قراءة تحليلية استشرافية مختلفة لنسب المشاركة المتوقعة وطبيعة المشهد السياسي الجديد الذي سيفرزه البرلمان المقبل، متوقعاً "ضعف إقبال الناخبين".
وقال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "النتائج اتضحت من خلال الترشيحات التي تغلبت فيها القوائم المستقلة ومن خلال الدعاية الانتخابية التي لم تستند إلى برامج أو عمل جواري، لا توجد أحزاب كبيرة تملك برامج، وسط عدم وجود ثقة وهناك حالة انقسام واتهام لهذه الأحزاب".
وكشف عن أن "نحو 50 % من القوائم الانتخابية للمستقلين من مناضلي الأحزاب المغضوب عليها"، مشيرا إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا سواء من تمكين شباب القوائم المستقلة من تنظيم دعايتها أو من خلال الحرية التي أعطتها للمواطن للتعبير عن مواقفه على أن هذه الانتخابات مثل غيرها ولم تأت بالأمل الجديد والخطابات خالية من الحلول، لكن يبقى الهدف انتخاب برلمان".
ويرى الأكاديمي الجزائري بأن "نسبة 5 % التي يفرضها قانون الانتخابات للحصول على مقاعد نيابية سيشكل مفاجأة لم تكن تتوقعها القوائم الحرة".
وخالف الدكتور قادري، تحليلات وتوقعات الخبراء بأن يهمين المستقلون على البرلمان الجزائري المقبل، ووفق قراءته التحليلية فإن "حصول القوائم الحرة على 5 آلاف صوت القانونية صعبة جدا عليهم في ظل التشتت الحاصل".
وأوضح أن الانتخابات السابقة في الجزائر كانت تعتمد على القبيلة والعروش، معتبرا أن "المشكل الحاصل هذه المرة هو انقسام تلك الأعراش والقبائل والعائلات، حيث انقسم أفرادها بين عدة قوائم مستقلة وحتى حزبية، ولا أحد من المرشحين يملك ثقة كبيرة في حصوله على 5 آلاف صوت كحد أدنى ليفوز بالمقعد النيابي".
مضيفاً "ما بقي هي بعض الأحزاب لكن التي رشحت بعض الوجوه التي لها نوع من المصداقية وخطابها يحمل قيمة من الأمل، وبالتالي فإن المسألة هنا مرتبطة بالشخص وليس الحزب، وهذا ما قد يشجع الناس للانتخاب عليه، وهذا أمر صعب في حد ذاته، ومن تمكن في اعتقادي من الحصول على نسبة 5 % مع كثرة القوائم الحرة هو الأوفر حظاً بدخول البرلمان".
وتوقع المحلل السياسي أن يتوزع نصاب نسبة 5 % على 4 قوائم على الأقل ما يعني خسارة المستقلين بشكل كبير لحظوظهم في تصدر البرلمان المقبل.
ومن هذا المنطلق توقع الدكتور قادري أن يشهد "المجلس الشعبي الوطني" الجديد سيطرة حزبية على المستقلين خصوصاً التي بها انضباط حزبي، ورجح أن تحصل الأحزاب على ما بين 50 و60 % من مقاعد البرلمان، فيما توقع حصول المستقلين على نحو 30 إلى 40 % من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 407 مقعدا "في حال كانت الانتخابات شفافة".
ونوه مراقبون أيضا إلى مسألة "نظام القوائم الاسمية" الجديد المعتمد في انتخابات الجزائر، والذي قالوا إنه أفرز "نوعاً استثنائياً من المنافسة الانتخابية داخل القائمة الواحدة"، إذ ألغى القانون الجديد احتساب الأصوات للقائمة بأكملها ومنح الحظوظ لأي اسم في القائمة للحصول على مقعد نيابي في حال حصل على نسبة 5 % من إجمالي الكتلة الناخبة في تلك المنطقة التي ترشح بها.
ترتيب البيت السياسي
قراءة تحليلية زادت من تعقيد فهم طبيعة المشهد السياسي الجزائري وصعوبة تفكيك متغيراته وثوابته، فمن جهة أبانت المواقف الشعبية من خلال مظاهرات الحراك الشعبي عن رفضها للطبقة الحاكمة السابقة بما فيها الأحزاب بمختلف مشاربها، ومن جهة ثانية، يجد الناخب نفسه أمام شتات المستقلين و"الأمر الواقع" الممثل في الأحزاب.
أو كما يرى مراقبون تشتت الناخب الجزائري بين التصويت "على النظام السابق أو على وجوه غير مجربة".
ورد المحلل السياسي على ذلك بالإشارة إلى أن "الحياة السياسية بالجزائر تعيش حالة من إعادة النظر، في حالة سكون لإعادة ترتيب البيت السياسي، والنظام السياسي يشتغل ليس فقط من أجل البرلمان، لكن أعتقد أنه يهم أن يعرف الخارطة السياسية ليعيد على ضوئها ما يجب أن يكون، وتبون لمح إلى تشكيل حزب، وإذا سقطت أحزاب النظام السابق يكون للنظام الحالي مبرر لتشكيل حزب جديد بداعي الرفض الشعبي للأحزاب الموجودة، ولم يعد لها أي دور وظيفي".
وتوقع أيضا أن "يفرز البرلمان المقبل فسيفسياء سياسية ولن يتمكن أي طيف سياسي من الحصول على الأغلبية وهذا يخدم السلطة".
وفي ظل التناقضات والغموض الذي يكتنف الانتخابات النيابية، شدد المحلل السياسي الدكتور حسين قادري على أن "المكسب الكبير من هذه الانتخابات هو دفع الشباب للانخراط في المعترك السياسي، وهذه أكبر إيجابية تحققت، ويذوق حلاوة أو مرارة المجال السياسي، والدولة لها تحد كبير وهي تلعب وترا أساسيا، وهي كيفية استرجاع الثقة".
الإقبال المتباين
الأكاديمي قادري توقع أيضا تدني نسب المشاركة وألا تتعدى 30 %، مرجعاً ذلك إلى تغير نظرة الناخب للواقع والذي قال إنه "أصبح يطالب بالملموس".
وحدد أصناف الناخبين في "كبار السن الذين يخشون فقدان علاوة الشيخوخة، والصنف الثاني يصوتون عن قناعة لوجود مقربين منهم في قوائم المرشحين".
وتوقع في المقابل "ارتفاع نسبة الأوراق الملغاة"، مبررا ذلك بـ"تعقيد طريقة الانتخاب وكثرة الأوراق الانتخابية المعروضة على الناخب والتي يفوق عددها 50 قائمة وهي عملية متعبة وأعتبرها عقوبة، وكل واحد من المرشحين يعمل لفوزه وليس لنجاح القائمة وهذا ما خلق نوعاً من عدم الثقة وهذا ما سيؤثر على حظوظهم لعدم وجود التقاليد الحزبية".
"اللعبة الذكية"
أما أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرحمن بن شريط فقد أكد في حديث مع "العين الإخبارية" "صعوبة التكهن بنسب المشاركة بصورة عددية دقيقة"، لكنه توقع أن تكون أكبر من النسب المعبر عنها في الانتخابات الرئاسية السابقة واستفتاء تعديل الدستور.
ويرى أنه في الانتخابات التشريعية "انخرط فيها المواطن من خلال العدد الهائل للمرشحين، وأعتقد أنه في كل عائلة هناك مواطنين معنيين بالترشح أكثر منه بالانتخابات، وبالتالي فإن السلطة لعبت اللعبة بشكل ذكي جدا، عندما ألغت القوائم الإسمية وأعلنت الحرب على المال الفاسد، وأسقطت رؤوس كثيرة من القوائم".
وعلى عكس الدكتور قادري، يتوقع بن شريط بأن البرلمان المقبل سيشهد سيطرة كبيرة للمستقلين على مقاعد البرلمان، "دون حصول أي طرف على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة".