برلمان الجزائر.. "ولادة قيصرية" بأوجاع عهد بائد وآمال شعب ثائر
تستعد الجزائر، غدا السبت، لانتخاب أول برلمان بعد رحيل نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وسط تراكمات وتحديات جمة.
برلمان 12 يوينو/حزيران سيكون "الابن السابع" في عائلة المسار السياسي التعددي بهذا البلد العربي، والذي امتد إلى مدار 3 عقود، لكنه يبحث عن شرعية طُعن بها في من سبقوه.
- الرئيس الجزائري عن تزوير الانتخابات: كان في الجاهلية
- اعتقال متظاهرين بالجزائر.. "انزعاج" أممي وتبرير أمني
وليست الشرعية الهاجس الوحيد الذي ينتظر الغرفة النيابية، إذ يجمع المتابعون للشأن السياسي بالجزائر على "الولادة القيصرية" للبرلمان الجديد بالنظر إلى تراكمات ارتدادات مرحلة ما بعد سقوط نظام بوتفليقة، وتحديات التباين الشعبي إزاء الاستحقاق الانتخابي بين المتفائل والمشكك والرافض والعازف.
وكانت السلطة الجزائرية سرعت الإعلان عن الانتخابات، للتخلص من تركة نظام بوتفليقة المتمثل في آخر برلمان بعهده أثار الكثير من الجدل حول ممارسات "غير مألوفة" صدمت الرأي العام، وجعلته محط سخط شعبي.
ورغم المشاركة الواسعة من الأحزاب السياسية في الانتخابات النيابية، إلا أنها تشهد مقاطعة 4 أحزاب من "التيار الديمقراطي"، انتقدت "المقاربة الأمنية" في التعامل مع مظاهرات الحراك الشعبي، ورأت أن "تنظيم الانتخابات في جو يسوده القمع والاعتقالات أكبر عائق أمام انتخابات شفافة".
واقترحت الأحزاب المقاطعة تأجيل الانتخابات و"الدخول في مرحلة انتقالية" لإعادة صياغة قوانين اللعبة السياسية في البلاد.
وتستعرض "العين الإخبارية" في هذا التقرير الأحداث التي عجّلت بتنظيم انتخابات تشريعية بالجزائر، التي يقول المراقبون إن كثيرا منها لا تزال ألغاماً موقوتة تجعل من اقتراع 12 يونيو/حزيران مختلفا عمّا جرى خلال العقود الـ3 الماضية.
إسقاط نظام بوتفليقة
مطلع فبراير/شباط 2019، قرر الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة، وفجّر ذلك موجة احتجاجات شعبية مليونية غير مسبوقة، بدأت بمشاهد استثنائية لتمزيق صور "فخامة الرئيس المجاهد" كما كان يحلو له تلقيبه، في محافظة خنشلة شرقي البلاد في الـ19 من الشهر ذاته.
وسرعان ما تمددت شرارة تلك المسيرة الحاشدة إلى جميع محافظات ومدن الجزائر، رافضا ولاية بوتفليقة الخامسة ومطالبة بتوقف سنوات حكمه عند 20 سنة.
ولم يغادر المتظاهرون ساحات وشوارع البلاد بعد عدول بوتفليقة عن الترشح، لتتواصل المظاهرات رافضة للتمديد، ثم مطالبة برحيل النظام بأكمله ومحاسبة جميع رموزه.
وكان موقف الجيش "الداعم للمطالب الشعبية" مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد، إذ انضم إلى المطالبين بإعلان شغور منصب الرئيس، ولم يجد بوتفليقة إلا الرضوخ لثورة الشارع وحزم الجيش، ويقدم استقالته في 2 أبريل/نيسان 2019.
لم تكن تلك الاستقالة كافية لتهدئة الشارع الغاضب، إذ برز مطلب أصر عليه المتظاهرون وهو رحيل "الباءات الأربع" في إشارة إلى الحروف الأولى من أسماء رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب.
ورفض المتظاهرون تولي بن صالح رئاسة البلاد مؤقتاً، لكنه صمد أمام مطالب رحيله، وأبقى على حكومة بدوي بصلاحيات محدودة، بينما سقطت "باءين" عقب استقالة بوشارب وبلعيز.
ثم قرر الرئيس المؤقت تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في 4 يوليو/تموز 2019، قوبلت برفض شعبي وسياسي، قبل أن يتم تأجيلها إلى تاريخ لاحق بسبب عدم وجود مرشحين.
وفي خضم ذلك، تحركت الأجهزة الأمنية والقضائية، وشهدت البلاد "زلزالاً سياسياً" غير مسبوق، من خلال محاكمات لأركان النظام السابق، من رؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال وقادة عسكريين وأمنيين، انتقلوا على إثرها من القصور إلى السجون، كان من أبرزهم السعيد بوتفليقة مستشار وشقيق الرئيس المستقيل.
وشدد الجيش خلال تلك الفترة قبضته الأمنية، وأعلن مرافقته للمسيرات الشعبية، ورفضه لأي أعمال عنف أو مواجهة بين الشرطة والمتظاهرين، وتمكنت البلاد من تفادي مأزق أمني بأخطر مرحلة مرت بها الجزائر.
انتخاب رئيس جديد
شكّل الرئيس المؤقت بن صالح لجنة للحوار الوطني أوكلت لها مهمة التحاور مع ممثلي الحراك والطبقة السياسية وإعادة ترتيب انتخابات رئاسية جديدة، نظمت بالفعل في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وحصل فيها المرشح المستقل عبدالمجيد تبون على أكثر من 50% من أصوات الناخبين بين 4 مرشحين آخرين.
وفي خطاب التنصيب في الـ19 من الشهر نفسه، كشف تبون عن أجندته السياسية لـ"إعادة إعمار خراب الساحة السياسية" كما اصطلح عليه، وحددها في تعديل الدستور وقانون الانتخاب وتجديد البرلمان والمجالس المحلية.
ولم يتقبل جزء من الحراك الشعبي تمرير الانتخابات الرئاسية، وأبدى رفضا لكل برامج وضمانات السلطة أو كما يسميها "رفضه للأمر الواقع"، وبدأ تبون العام الأول من ولايته الرئاسية بمشهد المظاهرات المصرة على مطالب التغيير الجذري.
دستور جديد
ومع الأسابيع الأولى لحكم تبون بدأت ملامح "عهد جديد" تطفو على المشهد السياسي، خاصة مع إطلاق سراح بعض المتهمين بالفساد من النظام السابق، أبرزهم رجل الأعمال يسعد ربراب، ثم تبرئة شقيق بوتفليقة ورئيسي جهاز المخابرات الأسبقين من "تهمة التآمر على الجيش والدولة" في يناير/كانون الثاني 2021.
وبعد ذلك، أعلن تبون اعتزامه تعديل الدستور وشكل لجنة خاصة من الخبراء، كأول خطوة للتخلص من تركة بوتفليقة، ونظم استفتاء شعبيا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وسط أدنى إقبال للناخبين، وجدل واسع حول التغييرات التي جاء بها الدستور الجديد.
وكانت جائحة كورونا "نعمة ونقمة" نزلت على السلطات الجزائرية، إذ توقفت مظاهرات الحراك، لكنها أربكت أجندة تبون السياسية، ودحرجت موعد الاستفتاء من الربع الأول لـ2020 إلى نهايته، كما تأجل موعد الانتخابات التشريعية والمحلية إلى 2021.
كما أصيب رئيس البلاد بفيروس كورونا نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020، ودخلت الجزائر حينها في حالة غموض، وعاد معها شبح "الرئيس المريض" ليطل من جديد، قبل أن يعود من رحلته العلاجية بألمانيا ويستأنف نشاطه الرئاسي، ويجدد برنامجه السياسي.
حراك متجدد
في الذكرى الثانية لاندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، عادت المظاهرات إلى بعض مدن البلاد، وجددت رفضها للمنظومة الحاكمة وللمواعيد الانتخابية التي حددتها.
في غضون ذلك، تعالت انتقادات منظمات حقوقية غير حكومية وأخرى تابعة للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي إزاء ما وصفوه بـ"القمع الممنهج على المسيرات الشعبية" عقب توقيف الأمن الجزائري عشرات المتظاهرين.
ورفضت الجزائر الانتقادات الحقوقية، وألزمت الداخلية المتظاهرين في مايو/أيار الماضي، بتقديم تصريح لتنظيم المسيرات أو التعامل معها وفق القانون، وكشفت عن مخططات إجرامية قادتها حركتا "رشاد" الإخوانية و"الماك" الانفصالية لاختراق الحراك وتنفيذ عمليات إرهابية.
وعلى إثر ذلك، تمكنت السلطة الجزائرية من "إعادة تأميم الشوارع واحتواء المتظاهرين" خصوصاً بالعاصمة، خصوصاً بعد استشعار الجزائريين الخطر الإرهابي الإخواني الداهم بسيناريو التسعينيات.
وبين ذلك، قرر رئيس البلاد حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مسبقة في 12 يونيو/حزيران، شهدت إقبالا كبيرا من قبل المرشحين المستقلين والأحزاب.
ويؤكد الخبراء والمتابعون أن الحملة الانتخابية أبانت عن متغيرات جديدة وثوابت قديمة في المشهد السياسي، أبرزها إقحام الشباب في المعترك السياسي في سابقة بالجزائر، في مقابل طغيان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية لمنطق الجزائريين في التعامل مع البضاعة الانتخابية المعروضة عليهم.
aXA6IDE4LjExOS4xMjcuMTMg
جزيرة ام اند امز