الجزائري رضوان رشدي: رواية "الهنجاري" للإنسان ومن أجله وفي حبه
بهدوئه المعهود، ولغته الراقية، وأفكاره المتسلسلة، وجرأته الهادفة والهادئة، يتحدث الكاتب الروائي رضوان رشدي أول رواية له.
و"الهنجاري" هي أول رواية للكاتب والروائي والإعلامي الجزائري رشدي رضوان، الذي صنع الاستثناء بين الروائيين الجزائريين، بعد أن دخلت أول رواية في مشواره الأدبي القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).
- القائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية 2022.. 16 رواية من 9 بلدان
- الجزائري بوعلام صنصال يفوز بجائزة المتوسط الأدبية الفرنسية
وفي مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية"، سرد الكاتب رشدي رضوان تفاصيل عن روايته "الهنجاري"، وكشف عن الأسرار التي استفزته لكتابة أول رواية في مشواره، وعن نظرته أيضا لواقع المشهد الأدبي في بلده.
حدثنا في البداية عن روايتك "الهنجاري"؟
"الهنجاري" رواية صادرة عن دار "العين" المصرية، وهي الرواية التي اختيرت في قائمة الجائزة العالمية لـ"البوكر" في النسخة العربية، تتحدث عن فترة معقدة من التاريخ البشري في منتصف القرن الماضي.
تداخل حيوات شخصيات الرواية بين هنجاريا وبين الجزائر وفرنسا، تعددت البيئات لكن الوجع المرهق لهذه الشخصيات في زمن الحرب هو الذي حدد مسار هذه الرواية في تقاطع كان للموسيقى دور كبير فيه.
باعتبار أن الشخصيات الثلاث تجمعها الموسيقى وقد تفرقهم مآلات هذه الحرب التي يقررها الحمقى والمجانين، والتي يُحرق فيها الكثير من الأبرياء والبشر الذين يبحثون عن الحب والحياة، وعن العيش بسلام بعيدا عن تعقيدات الحرب.
في رأيي هذه الرواية هي للإنسان، من أجل الإنسان، وفي حب الإنسان.
روايتك تتحدث عن شخصيتين هنجارية وجزائرية، لماذا اخترت لها عنوان "الهنجاري" وليس "الجزائري"؟
بالنسبة للعنوان، نحن نتحدث عن عتبة الرواية، وهذه العتبة لها قراءات كثيرة، كان هناك الكثير من الخيارات بالنسبة للعنوان، لكن استقريت أخيرا عن عنوان "الهنجاري"، باعتبار أن تقاطع الشخصيات في معطى الصفة والاسم، وليس بالضرورة هو إسقاط على بيئته، وإنما عن ذلك التداخل الذي جمع بين هنجاري وجزائري استقام على هنجاري في كثير من المعطيات، خصوصا معطى عبء الحرب.
حتى شخصية مسعود الجزائري بات يعرف في أواخر سيرته بـ"الهنجري"، وبالتالي، أن تحمل الرواية اسم "الهنجاري" فهو ليس بالضرورة اسماً لجنسية بقدر ما هو اسم التقاء شخصيات هذه الرواية في معطى إنساني واحد هو الوجع في خضم الحرب.
ما الذي أخذك لتلك الحقبة البعيدة والمعقدة أو استفزك فيها لتفجر أفكارك وقلمك بأول رواية لك؟
بالنسبة للحقبة التي كتبت عليها الرواية دائما كانت تستفزني، باعتبار أنها فترة معقدة من التاريخ البشري في الحرب العالمية الثانية، أحدثت نزفاً في مسار الإنسانية، على الأقل في التاريخ الحديث، خصوصاً وأننا عثرنا على صور وفيديوهات وأخبار لتلك الفترة غير البعيدة عن راهننا وبالتالي ما وصلنا من تلك الصور عن تلك الفترة حمل ثقيل، أعتقد أنه لن يكفيه الأدب ولا أي محمول فني آخر لكي يكفيه حقه، باعتبار أن الفترة كانت معقدة.
تلك الفترة لم تتعثر فيها أوروبا، حتى الذين ساهموا في هذه الحرب التي لم تعنيهم من المستعمرات السابقة كانوا معنيين كذلك بهذه الفترة، أتحدث عن الجزائريين الذين كانوا حطباً لحرب المحور على الفكر النازي وامتداده، وكان من بينهم جزائريون كثر أهملهم التاريخ، وآن الأوان أن يحملهم الفن والأدب إلى مستوى التذكير والذكر.
تلك الفترة معقدة ليست حكرا على أوروبا لوحدها، بل على البشرية ككل، وتمنياتي بالتوفيق لأعمال وثائقية جعلتني أتعثر بتلك الصور والفيديوهات التي مهدت أو أفرشت لي طريق الكتابة الروائية لرواية "الهنجاري".
هناك أيضا معطى مهم مرتبط بموسيقى "فرانز ليست" العازف المجري المشهور الذي ألّف قبل تلك الفترة سنفونياته ولا أدري كيف استقبلها مزاجي في خضم كتابة هذه الرواية، والتي كانت عمودا فقرياً لها، وكانت تبويباً لهذه الرواية بشكل كلي من بدايتها حتى نهايتها.
لذلك أعتقد أن مسألة الفترة هي مسألة فرضت نفسها على مزاجي وبحثي وعلى توثيقي وعلى مهنتي أيضا في سياق شخصي ومهني.
ما القواسم المشتركة التي وجدتها في بيئة جينو الداخلية بهنجاريا وبيئة مسعود المحلية بالجزائر؟
القواسم المشتركة بين الشخصيتين، كلتاهما عاشتا في فترة كانت فيه الكثير من الجنسيات حطباً لحرب مدمرة، هنجاريا كانت تحت وطأة الامتداد النازي، وأبناء هنجاريا حُمِّلوا في شاحنات التجنيد الإجباري إلى الشمال الفرنسي وتحديدا "نورماندي" في حرب هتلر على المحور.
أيضا في الجزائر حُمِّل الكثير من "الأنديجان" الذين اعتبرتهم فرنسا حطباً لتلك الحرب، وحمّلتهم على بواخر وشاحنات التجنيد الإجباري، ووجدوا أنفسهم في الصفوف الأولى لهذه الحرب.
ما يلاقي مسعود وجينو كونهما ضحايا هذه الحرب ومالا لاقاهما أيضا هو رفضهما للخنوع ولهذه الورطة الإنسانية وتفضيلهما لأخذ مسار آخر بعيد عن وطأة الحرب.
لماذا هنجاريا بالتحديد؟
أعتقد أن الموسيقار المجري "فرانز ليست" هو الذي صالحني مع الكتابة لهذه البيئة التي لم أكن أعرفها ولم أكن مطلعاً عليها بالشكل الكافي، لكن سنفونياته هي التي حملت قلمي إلى مستوى هذه البيئة، ولاقتني بـ"دينو ماتيوس" المنسجم أيضا مع هذه الموسيقى.
وهناك أيضا قضية تاريخية مهمة مرتبطة بـ"الغجر"، الذين عاشوا في هنجاريا هم أيضا ضحايا المحرقة، ما يروج في التاريخ والأدب وفي الفن والإعلام دائما أن المحرقة مرتبطة باليهود، لكن هناك فئة مهمة من البشر الذين عاشوا في تلك الفترة كانوا ضحايا في الصف الأول لهذه المحرقة ولم يُذكروا كثيرا في السند التوثيقي وهم الغجر.
لذلك كانت الرواية منصة لإعادة الاعتبار لهذه الفئة التي ظلمها التاريخ والإعلام وظلمتها الشمس في أكثر من نصف عقد من الزمن، قد تكون هذه الرواية مرفوعة لهذه الفئة التي عانت أكثر من غيرها في تلك الحرب.
لماذا اخترت بيت مادلين "الألمانية" ليلتقي فيها مصير الهنجاري والجزائري، ما الرسالة التي أردت إيصالها من خلال هذه الشخصية؟
هو خيار باعتبار أن ألسن هذه الشخصيات لا تتلاقى، أتحدث عن جينو يتحدث الهنجارية والألمانية، ومسعود الذي لا يتحدث إلا لغته العربية ويفهم شيء من الفرنسية.
ذلك المبنى الذي تلتقي فيه جنسيات أخرى تحسن الحديث بالألمانية أو بالعربية وحتى بالفرنسية ربطت جسور الفهم واللقاء بين شخصيات الرواية من أجل تسهيل مهمة السرد لا أكثر ولا أقل، وباعتبار أيضا أن بيئة مادلين هي بيئة سردية وروائية بامتياز، تُغري على القراءة وعلى تقديم حكايات لشخصيات مختلفة، كانت وقودا لهذه الحرب.
أين تكمن أهمية شخصية يحيى اليهودي في روايتك، هل يمكن القول إن هناك صورا نمطية عن اليهود بعيدة عن "الواقع الإنساني" كما في هو سائد في بعض المجتمعات؟
شخصية يحيى المديوني فرضت نفسها أيضا باعتبار أن الحديث عن مسعود الجزائري هو حديث مربك، هو شخصية لا تتحدث كثيرا ولا تُفصح عن عواطفها كثيرا، وفي خيار هذه الرواية لم يكن هناك رابطا، كان الراوي هو "جينو ماتيوس" من جهة ويحيى المديوني اللذان يتحدثان عن شخصية مسعود من أجل تقديم رؤيتين مختلفتين لهذه الشخصية المعقدة.
وبالتالي فإن شخصية يحيى ليست مرتبطة بتوظيف إيديولوجي أو ديني بقدر ما هي توظيف لشخصية الآخر كيف ينظران إلى مسعود القادم من مستعمرة في شمال أفريقيا، سواء كان يهودياً أو مسيحياً غربياً.
"الهنجاري" أول رواية لك، ومع ذلك دخلت القائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية.. في اعتقادك ما المواصفات التي توفرت بهذه الرواية حتى دخلت هذه القائمة؟
مواصفات الرواية الجيدة أن يصدقها القارئ، أن يكتب الروائي من دون أي تعقيد، أعتقد أن البساطة في الكتابة مع تقديم حكاية منطقية ذكية تستند إلى معطى الحكاية ببساطتها هو الذي يقرب هذا النص لأي قارئ يريد أن يستمتع، ولا أعتقد أن هناك من يصبر على 250 أو 300 ورقة دون أن يأخذ تلك الفائدة والمتعة.
لذلك أعتقد أن نجاح أي رواية هو أين يُكملها القارئ، ومن يقرأ "الهنجاري" أعتقد أنه سيُكملها حتماً.
ما الذي حفزك أو دفعك لخوض تجربة الرواية والانتقال تحديدا من تجربة الشعر؟
التحفيز في كتابة الرواية ليس ظرفياً، الكتابة السردية كانت دائما ملازمة لتفكيري ولخياري، لكن التفرغ لها هو الذي كان عائقاً، ذلك أن العمل الصحفي والمهني يُرهق، الشعر قد يُكتب وأنت جالس في مهنتك وأنت تشرب قهوتك وأنت مسافر، لكن الرواية تحتاج إلى تفرغ، فهي عمل احترافي.
أن تكتب عملا متقناً هو أن تتفرغ له، والرواية جسد احترافي لا بد أن تتفرغ له، كانت فكرة الرواية حاضرة دائما في مخيالي وفي أحاديثي الذاتية، وجاءت الفرصة مع الحجر الصحي لكي أتفرغ لها وأفرغها على الورق أو على "اللابتوت".
أنا أعتقد دائما بأن الكتابة الروائية والسردية هي مسألة احتراف ووقت ومسألة التزام أي من شيء آخر.
من جمهورك المستهدف في أعمالك الروائية؟
هذا سؤال تطبيقي ورياضي وإحصائي لا يليق بالكتابة السردية والإبداعية بشكل عام، الجمهور المستهدف هو أي قارئ سواء كان واحد أن 20، كل قارئ يجد في كتابك متعة، أن يبتسم أو يحزن أو يبكي أو يضحك أو يتفاعل أي قارئ مع ما كتبته، هذا هو النجاح الكبير لأي روائي في اعتقادي.
لذلك الجمهور المستهدف لـ"رشدي رضوان" هو الجمهور الذي سيستمتع بقراءة الرواية.
ما قراءتك للمشهد الأدبي والثقافي بالجزائر؟
المشهد الثقافي والأدبي في الجزائر يعيش "حجرا غير صحي" منذ سنوات لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، إذ تحدثنا عن الكتابة الأدبية هناك الكثير من الأسماء الحاضرة بقوة وتكتب وتصل إلى المسابقات العربية والعالمية ولديها حضور قوي.
لكن للأسف ليست لديها متابعة نقدية وإعلامية في الجزائر لاعتبارات كثيرة على رأسها التقهقر الإعلامي في الجزائر بأشكاله المختلفة في الصحافة المكتوبة أو في السمعي البصري، وغياب مساحات مهمة لرصد هذا النشاط الثقافي والأدبي، خصوصاً وأن منصات التواصل أصبحت مساحة لتفريغ هذا الشحن الإبداعي لكثير من الشباب الجزائريين، وفقدت المنصات الكلاسيكية سلطتها ومصداقيتها على تلقي مثل هذا النشاط الثقافي، لذلك ظهر هذا الشرخ وهذه الهوة بين النشاط الثقافي الشخصي غير الرسمي والتلقي الإعلامي والنقدي لهذه الأعمال الأدبية في مختلف أجناسها.
في الجانب الأدبي هناك اجتهادات شخصية لكثير من الكتاب، لكن للأسف هناك هوة كبيرة بينها وبين التلقي المحلي، أصبح الكاتب الجزائري يلقى صدى لكتاباته خارج الوطن أكثر من داخل الوطن للأسف.
هل نالت تجربتك حظها من المتابعة النقدية؟
أعتقد أن الوصول إلى القائمة الطويلة لجائزة "البوكر" أو أي جائزة مرموقة في الوطن العربي هو فرصة مهمة لأي كاتب لكي تصل أعماله إلى أكبر قدر من القراء والمهنيين والنقاد، وبالتالي هي فرصة للترويج أكثر للرواية.
أما على مستوى الكتابة النقدية، فالأمر مبكر للحديث عن التفاعل النقدي مع الرواية، أترك الأمر حتى يتلقاها القراء أكثر وتصل إلى أكبر عدد ممكن من النقاد سواء في الوطن العربي هنا في الجزائر، ويأتي الحديث بعدها حول التفاعل مع هذه الرواية مهما كان سلباً أو إيجاباً، المهم أن يكون هناك تفاعل ونقاش حول الأعمال الصادرة عن رشدي رضوان أو غيره.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjY0IA== جزيرة ام اند امز