يخرج ريان عن تقاليد العاملين الفلسطينيين في الخليج، طوال تاريخ عملهم في الدول الشقيقة.
من خلال المشاهدات المتأنية لأشرطة السجالات الأخيرة لمذيع قناة "الجزيرة" جمال ريان؛ يمكن الخروج بنتيجة واحدة، وهي أن ريان، يحكم على نفسه بمآلات مذيعين، قدامى وجدد، تجاوزوا عن مهامهم كمقدمي نشرات أنباء، تعدها غرف الأخبار أو برامج يعدها إعلاميو الإعداد، وصاروا يهدرون لنيل إعجاب أولياء نعمتهم لكي يغدقوا عليهم أو يجعلونهم نجوماً، فظاهرة المذيع "الفلتة" الذي يجذب الانتباه ويقاتل على عدة جبهات ويخترع النبأ قبل أن يقرأه؛ تحولت في النهاية إلى سخرية أو بؤس.
كان يونس البحري أكثر المذيعين اجتذاباً للألباب من راديو برلين النازي في الأربعينيات، تجاوز الرجل الحدود وبصوته كان يهدر كما لو إنه الظل الحقيقي لهتلر الذي يرسم السياسات ولما انتهت الحرب بهزيمة ألمانيا، لم يظفر بموطئ قدم في العالم العربي، وتحول الى مؤذن في أحد مساجد إندونيسيا، دون أن يتخلى عن شرابه الكحولي، وفي الخمسينيات، عاش العرب مع ظاهرة الإعلامي ذي الصوت الهادر أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب، فقد كان صوته أعلى من موج البحر، ومُحمّلاً بالوعود القصوى ، لكن أحمد سعيد أصبح بعد نكسة 67 رمزاً بارزاً لتلك النكسة، ما استوجب تخبئته وكتم صوته، فذهب الرجل يفتش لنفسه عن وظيفة فرعية في إذاعة محلية في ليبيا، وهكذا حدث مؤخراً مع سلسلة من وجوه الشاشات المصرية، وقد بدأ المسلسل بتوفيق عكاشة وباسم يونس، ثم تداعى.
سيناريوهات سياسية وخيانات، وصفقات ومواقف، كأنه الموصول بمصالح الاستخبارات الأمريكية التي تصارحه وتفتح له ملفاتها، لكي يرعد ويصرخ ويكاد يتمزق في مشاهد تمثيلية، وكل هذا لكي يتقدم في الحظوة لدى سيده
وفي الحقيقة لم يرث أسلوب أحمد سعيد، ووعوده القصوى، سوى أكثر الأطراف تندراً عليه وعلى جمال عبد الناصر بعد هزيمته، وهم جماعة الإخوان، الذين تفوق خطاب الطنين عندهم على خطابات أحمد سعيد ووعوده ومادته الإذاعيةـ ومن قبله رعود المذيع العراقي يونس البحري، على الرغم من الإيجابيات الكثيرة في تجارب السابقين، على صعيد مناهضة الاستعمار.
جمال ريان، الفلسطيني، التصق بظاهرة الإخوان التي أدمنت الطنين الكاذب، وارتضى أن يجعل من نفسه بوقاً لحكام قطر، وأن يتجاوز مهنته كمقدم نشرات، وكأن المطلوب من المذيع أن يقاتل في معركة النظام الذي يعمل معه وأن يموت دفاعاً عنه، دون أي داعٍ لذلك.
وكفلسطيني، يخرج ريان عن تقاليد العاملين الفلسطينيين في الخليج، طوال تاريخ عملهم في الدول الشقيقة. فالفلسطيني عُرف بوفائه لمكان العمل الذي بدأ به أو مر عليه، وهذا الوفاء يعد جزءاً من أخلاقه التي نالت إعجاب الدول المضيفة. لكن الواهم الزاعق جمال ريان، وهو ينافح عن أرباب العمل الجدد دون أن يطلبوا منه ذلك، يذم أرباب العمل السابق، ويعلن في نذالة واضحة، عن ندمه لكونه عمل معهم. وهذا نوع من الانتهازية والرياء والسفاهة يخوض سجالات ويستحث ردود أفعال ثم ينفعل في الرد عليها ومعالجتها، ويتمادى في الخطأ، فينسب كلام أي شخص سعودي الى ملك السعودية وولي عهده، أو كلام شخص من الإمارات الى الشيوخ من قادتها، ويختلق سيناريوهات سياسية وخيانات، وصفقات ومواقف، كأنه الموصول بمصالح الاستخبارات الأمريكية التي تصارحه وتفتح له ملفاتها، لكي يرعد ويصرخ ويكاد يتمزق في مشاهد تمثيلية، وكل هذا لكي يتقدم في الحظوة لدى سيده.
ومن المفارقات، أن القوي الحنجرة والضعيف في الثقافة والسياسة، يتحدث كمن يصدق أن قطر تحمل مشروعاً جهادياً، وليست ذات معاهدات أمنية استراتيجية مع أطراف ترى في كل مقاومة إرهاباً وكمن يصدق أن قطر عدوة إسرائيل، أو إنها صمام الأمان لنصرة قضايا الأمة. وربما هو غير مقتنع بهذا، لكنه ينافق ويتغابى!
نقلا عن موقع " قناة الكوفية "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة