تفقد ثوبها الأبيض.. لماذا يذوب جليد جبال الألب؟
تتميز سلسلة جبال الألب الشهيرة باللون الأبيض، إذ تُغطيها الثلوج على مدار العام، لكن ماذا إذا فقدت الألب ثوبها الأبيض؟
عادةً ما يُعبر اللون الأخضر عن الازدهار والتنوع البيولوجي، لكن عندما يتعلق الأمر بتحول جزء من كساء سلسلة جبال الألب الشهيرة في أوروبا إلى اللون الأخضر؛ فهذا ليس مؤشرًا مبشرًا، لكنه أمر يدعو للتفكير قليلًا فيما إذا كان هذا التغير الحاصل مفيدا أم ضار لكوكبنا. والسؤال الأهم، لماذا يذوب جليد جبال الألب؟
وداعًا للكساء الأبيض
أجرت مجموعة بحثية في جامعة لوزان في سويسرا، دراسة لتوضيح كيفية تأثير التغير المناخي على سطح الألب، على مدار 4 عقود، ووجد الباحثون أنّ 77% من جبال الألب فوق خط الأشجار شهدت تخضرا، وهذا يعني أنها شهدت تخضرًا أكبر من أي وقت مضى، ما يهدد الغطاء الثلجي، وفقدت المنطقة قيد الدراسة أقل من 10% من الغطاء الثلجي، ما دق ناقوس الخطر. ونُشرت الدراسة في دورية «ساينس» (Science)، في يونيو/ حزيران 2022.
استخدم الباحثون بيانات الاستشعار عن بُعد، لدراسة مراحل تطور زحف الغطاء النباتي على الغطاء الثلجي، ولاحظوا من البيانات انخفاض كمية الثلوج بصورة ملحوظة بين شهري يونيو/ حزيران إلى سبتمبر/ أيلول من كل عام، وهو فصل الصيف.
أليس التخضير أفضل؟
ربما ستبدو جبال الألب أنيقة في الكساء الأخضر، خاصة وأنّ الأشجار التي من المتوقع نموها وانتشارها هناك مع الاحتباس الحراري، ستُساعد في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، في أثناء عملية البناء الضوئي، وتحوّل هذا الغاز الدفيء إلى أكسجين تستفيد منه الكائنات وكربون عضوي، يُخزن في التربة أو في خشب الأشجار. يبدو الأمر مفيدًا، أليس كذلك؟
حسنًا، في الحقيقة إنّ الفوائد العائدة فيما يخص عزل الكربون من الغلاف الجوي، لا تُضاهي الخسائر التي نلقاها عندما تفقد الكائنات الحية هناك موائلها، وقد تنقرض بعضها إلى الأبد، إضافة إلى ذوبان الجليد، والذي قد يسبب كوارث غير محمودة، إذ تتدفق الأنهار الأوروبية الرئيسية من جبال الألب، أهمها: نهر راين ونهر رون ونهر إين ونهر بو.
من ناحية أخرى، وفقًا لـ«الصندوق العالمي للطبيعة» (WWF)؛ تتسبب درجات الحرارة المرتفعة، نتيجة الاحتباس الحراري، في تدهور التربة الصقيعية لجبال الألب، ومع تقلص الجليد، فإنّ النباتات التي تعيش على الأراضي المنخفضة لجبال الألب، تتحرك للأعلى بارتفاع يتراوح ما بين 0.5 إلى 4 أمتار كل عقد، وبالتالي تجور على النباتات الأخرى الأصلية التي تعيش عند المرتفعات الأخرى، رويدًا رويدًا، تختفي هذه النباتات وتنقرض للأبد. إضافة إلى ذلك، قد تتسبب الحرارة المرتفعة في غزو مسببات الأمراض من بيئات أخرى للمجتمعات النباتية والحيوانية الموجودة في جبال الألب، والتي لا تملك المناعة للصمود تجاه مسببات الأمراض هذه.
الثوب الأبيض أسلم
من ذلك يتضح أنّ بقاء البيئة الثلجية لجبال الألب، هي الخيار الأنسب؛ لحفظ التوازن؛ فانهيار الكتلة الجليدية له عواقب وخيمة جدًا، ويسلب جبال الألب أنظمتها البيئية الفريدة وتنوعها البيولوجي المتميز. وقد تغرق بعض أجزاء أوروبا، خاصة وأنّ جليد جبال الألب يمد 90% من أوروبا بالمياه العذبة اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ووجود المياه في شكل جليدي، هو حفظ لها من الإهدار أو الإغراق.