من الولادة لـ"الحوثنة".. "العين الإخبارية" تقتفي أثر "القاعدة" باليمن
لا يدرك كثيرون أن ولادة تنظيم القاعدة باليمن بدأ مع نشأة الحوثيين مع اختيار إيران وسائل مختلفة للإرهاب لتحقيق هدف واحد بتمرير مشروعها.
وكما رعت إيران حسين الحوثي لتشكيل معقله الأم شمالي اليمن، فإن طهران كانت أيضا بوابة عبور قيادات تنظيم القاعدة لهذا البلد الفقير بما فيهم ناصر الوحيشي الذي عاد إلى مسقط رأسه محافظة أبين لتزعم أحد أخطر فروع التنظيم في العالم.
"العين الإخبارية" تقتفي أثر أبرز من قادوا تنظيم القاعدة منذ ولادتها وكيف قتلوا عقب ظهور زعيم التنظيم الإرهابي خالد باطرفي في خطاب مسجل مؤخرا، يتوعد من وكر مخبئه المجلس الرئاسي اليمني.
الاندماج الأول
كالحوثيين تماما، ولدت القاعدة في اليمن في ثمانينيات القرن الماضي لكنها لم تظهر كتنظيم للعلن إلا في التسعينيات، وتحديدا بعد سلسلة هجمات استهدفت فنادق ومقار حكومية في عدن منذ عام 1992.
آنذاك، كانت "القاعدة" عبارة عن مجرد خلايا إرهابية متناثرة تخضع تحت إمرة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري لكنها سرعان ما ظهرت كتنظيم بعد وصول القيادات الفارة من الأجهزة الأمنية المصرية إلى اليمن.
وكان من بين الواصلين قيادي يدعى "محمود الديب"، وهو مصري الجنسية، أصبح أول قائد سري لخلايا تنظيم القاعدة في اليمن بين عام 1993 -1994، قبل أن يعود إلى مصر ويقتل في مواجهات مع الأجهزة الأمنية عام 1995.
حينها أسند أيمن الظواهري القيادة إلى قيادي يدعى "أحمد السيد النجار"، (أعدم عام 2000 من قبل مصر)، قيادة التنظيم شمالا، فيما شكل أتباع أسامة بن لادن كـ"أبو الحسن المحضار" أول مجاميع مسلحة منظمة انطلاقا من محافظة أبين، جنوبي اليمن.
وبعد عام عزلت القاعدة "النجار" ليتم تنصيب رجل المخابرات إبراهيم البناء ويكنى "أبو أيمن المصري"، والذي تولى القيادة بين عام 1996 - 1998، وهو أول من مهد لدمج خلايا بن لادن والظواهري في اليمن بل ووصل إلى مد جسور التواصل بمليشيات الحوثي شمالا.
بعد الاندماج الأول بين خلايا القاعدة في الجنوب والشمال، عين التنظيم الإرهابي الأخطر "محمد عمير العولقي" المكنى "أبو مصعب" قائدا غير معلن، فيما نصب القيادي "قايد الحارثي" المكنى "أبو علي الحارثي" قائدا علنيا في أول ظهور للتنظيم الإرهابي.
وكان ذلك بين عام 1999 وحتى 2006، وخلال هذه الفترة نفذت القاعدة أخطر هجماتها على الإطلاق من بينها هجوم على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في خليج عدن عام 2000 لكن واشنطن ما لبثت أن أطاحت بالعقل المدبر للهجوم "الحارثي" عام 2002.
الاندماج الثاني
وظلت القاعدة حينها تحت قيادة "أبو مصعب العولقي" صاحب الحضور والمال الذي وزع خلايا القاعدة امتداد البلاد، وكان العقل المدبر لعملية "الهروب الكبير"، عندما فر 22 من أكبر عتاولة القاعدة من سجن المخابرات في صنعاء عام 2006 من بينهم ناصر الوحيشي وقاسم الريمي.
فالوحيشي المكنى أبو بصير والذي عمل فترة طويلة سكرتيرا خاصا لأسامة بن لادن هو ابن محافظة أبين، كان الأجدر بقيادة التنظيم باعتباره الأكثر خبرة بتعقيدات المجتمع اليمني والأكثر قربا لمقاتلي القاعدة.
وبالفعل تولى الوحيشي قيادة تنظيم القاعدة ليقود التنظيم إلى ذروة قوته، لا سيما بعد أن عين الإرهابي السعودي سعيد الشهري مساعدا أعلى له وعمل في دمج وتوحيد تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية 2009 تحت مسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب".
وخلال تلك الفترة، ظل أبو مصعب العولقي هو همزة وصل مليشيات الحوثي والقاعدة، حيث تولت الأولى توفير المال والملاذات الآمنة للمتطرفين فيما التزام التنظيم بتوفير السلاح وتهريبه للمتمردين في صعدة.
لكن العولقي الذي لعب هذا الدور ما لبث أن وقع في مصيدة الطائرات بدون طيار الأمريكية، والتي نجحت في استهدافه بعد مطاردة طويلة في محافظة شبوة 2010.
غير أن تلك الضربات سعى تنظيم القاعدة في استثمارها لصالح تجنيد المزيد من المقاتلين لتنفذ القاعدة بعدها أبشع العمليات منها محاولة إسقاط محافظة أبين وهجوم العرضي الدموي في صنعاء الذي أودى بحياة 60 مدنيا 2013 ثم السيطرة على المكلا حاضرة حضرموت 2015.
الانحدار ودور التحالف
رغم بلوغ القاعدة ذروة قواتها ممثلا بالسيطرة على المكلا التي حولها التنظيم من فوره إلى إمارة لشن عملياته في اليمن والمنطقة والعالم، لكن دورها ما لبث أن عاد للانحدار بعد تدخل قوات التحالف في ضربات قاصمة للقاعدة.
وكان عام 2015 الذي سيطرت فيه القاعدة على المكلا بمثابة كابوس للتنظيم الذي خسر بضربات لطائرات بدون طيار أمريكية ناصر الوحيشي أحد أخطر العقول المدبرة للهجمات الإرهابية، فضلا عن عديد القيادات منهم حارث النظاري.
وقتئذ، عينت القاعدة رفيق الوحيشي في الهروب والإرهاب، قاسم الريمي المكنى "أبو هريرة" قائدا للقاعدة في اليمن فيما بدأت قوات التحالف العربي عام 2016، حربا هي الأشد ضراوة على التنظيم، ابتداء من تحرير المكلا في حضرموت وانتهاء بدك معاقله في المنصورة في عدن ومحافظتي أبين وشبوة.
وخرجت القاعدة من تلك المعارك بهزائم قاسية، حيث خسرت أكثر من 800 عنصر بحسب تقديرات عسكرية، فيما أدى تشكيل قوات التحالف للقوات الجنوبية إلى زيادة الضغط على التنظيم، ليس فقط على صعيد مكافحته، بل على مستوى تعطيل قدراته على تجنيد العناصر واستبقائهم فضلا عن عزله من معاقله.
وسهلت الضربات التي تلقتها القاعدة من التحالف العربي كشف وتعرية قياداته التي باتت معزولة جنوبا، لتظفر الطائرات بدون طيار الأمريكية مجددا برأس القاعدة قاسم الريمي في ضربة شرقي مأرب عام 2020.
باطرفي وسهام الشرق
بعد مقتل الريمي، تولى قيادة تنظيم القاعدة "خالد باطرفي" وهو إرهابي ينحدر من محافظة حضرموت وصعد إلى زعامة التنظيم بعد أعدم نحو 7 من رجالات القاعدة ممن رفضوا الإقرار بزعامته بينهم قياديان وتم اعتبارهم "جواسيس" بحسب تهديده لبقية الرافضين.
ووفقا لمسؤول أمني لـ"العين الإخبارية" فإن "باطرفي" جاء إلى قيادة تنظيم القاعدة باعتباره واحدا من القيادات التي قاتلت مع "أسامة بن لادن" في أفغانستان، وكان هو أهم قيادي موجود بعد مصرع "الريمي" زعيم القاعدة وقائدها العسكري الأبرز خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب المسؤول اليمني، فإن باطرفي لم يحظ بقبول كل قيادات التنظيم رغم قيادته للجناح العسكري أيام زعامة الريمي، بالإضافة إلى كونه أحد مشرفي اللجنة الشرعية أيام "ناصر الوحيشي" ومشرف اللجنة الإعلامية للتنظيم الإرهابي.
وخشية أن يلحق برفاقه، أدخل باطرفي تنظيم القاعدة حالة من السكون لإعادة بناء هيكلة جديدة لأن ذلك سيؤدي إلى كشف كثير من المعلومات المتعلقة ببنية وتفاصيل التكوين الهرمي لمعقل التنظيم الأم.
لكن التنظيم ما لبث أن وجد نفسه أمام معركة جديدة تمثلت بعملية "سهام الشرق" وهي عملية عسكرية للقوات الجنوبية في أبين نجحت في عزل تنظيم القاعدة عن أكبر معاقله منها "وادي عومران" شرقي مودية.
ولجأت القاعدة تحت الضربات إلى نهج العبوات الناسفة كآخر أسلحتها في مواجهة القوات الجنوبية فيما تراجع غالبية مقاتليها إلى محافظة البيضاء، حيث توفر فيها مليشيات الحوثي ملاذات آمنة للتنظيم الإرهابي.
وبحسب مصدر حكومي لـ"العين الإخبارية"، فإن مليشيات الحوثي وعقب خسارة القاعدة للجنوب عمدت إلى احتواء قيادات وعناصر القاعدة شمال اليمن منها معسكرات شيدتها في عمران وصعدة والبيضاء للتنظيم الإرهابي.
وما بين ملاذات الحوثي وملاحقة التحالف وواشنطن وعمليات القوات الجنوبية، بات باطرفي هدفا عالي القيمة إلى جانب إبراهيم البناء رجل استخبارات القاعدة الأول والذي تطرح واشنطن في رأسه 5 ملايين دولار.