الأمازون تحتضن «COP30».. البرازيل في قلب معركة العالم لإنقاذ المناخ
تنطلق اليوم في مدينة بيليم البرازيلية أعمال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "COP30"، وسط أجواء من القلق العالمي المتزايد إزاء فشل المجتمع الدولي في الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى ما دون 1.5 درجة مئوية.
ويشكل هدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، محور الجهود المناخية طوال العقد الماضي.
وتستعد المدينة الواقعة على ضفاف الأمازون لاستقبال ما يقارب خمسين ألف مشارك بين قادة دول، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وخبراء في البيئة والاقتصاد والطاقة، في قمة توصف بأنها من "الأكثر تعقيداً" في تاريخ مفاوضات المناخ الحديثة.
مدينة رمزية في قلب الأمازون
اختارت البرازيل مدينة بيليم، الواقعة عند بوابة غابات الأمازون، لاحتضان القمة في رسالة رمزية أرادها الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا للعالم، إذ قال قبل أيام من انطلاق المؤتمر: "سيكون من الأسهل تنظيم مؤتمر الأطراف في بلد غني، لكننا نريد أن يرى العالم الواقع الحقيقي لغاباتنا وأنهارنا وسكاننا الأصليين".
تمثل الأمازون "رئة الأرض" ومخزونها الطبيعي الأضخم للكربون، لكنها تواجه ضغوطاً متزايدة من عمليات قطع الأشجار، وتعدين الذهب غير القانوني، والتلوث الصناعي، ما يجعل من بيليم موقعاً مثالياً لتجسيد المفارقة العالمية بين حماية البيئة ومتطلبات التنمية.
ومع أن الاستعدادات اللوجستية للقمة واجهت تحديات، من نقص الفنادق والطعام إلى مشاكل الاتصالات فإن التحدي الحقيقي يبقى سياسياً ومالياً في المقام الأول، مع تساؤلات عميقة حول ما إذا كان العالم قادراً على تجاوز انقساماته التاريخية لبناء توافق جديد حول مستقبل الكوكب.
من "قمة الأرض" إلى "COP30"
بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على "قمة الأرض" التاريخية التي استضافتها ريو دي جانيرو عام 1992، والتي انبثقت عنها "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ"، تعود البرازيل اليوم إلى الواجهة مجدداً.
آنذاك، أرسى قادة العالم مبدأ "المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة"، الذي يقضي بأن تتحمل الدول الغنية، باعتبارها المصدر الأكبر للانبعاثات، العبء الأكبر من جهود الحد من الاحتباس الحراري. أما اليوم، فالقمة الثلاثون تأتي لتعيد فتح هذا النقاش القديم في ظل تراجع التزامات بعض القوى الكبرى وتنامي تأثير الاقتصادات الناشئة.
غياب الولايات المتحدة
يشهد المؤتمر غياباً لافتاً للولايات المتحدة عن المشهد القيادي بعد إعلانها الانسحاب من اتفاق باريس، في سابقة هي الأولى منذ توقيع الاتفاق عام 2015، وهي إشارة مقلقة للمجتمع الدولي، كون أمريكا ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، وأحد أعمدة التمويل المناخي للدول النامية.
في المقابل، تسعى كل من الصين والبرازيل إلى ملء هذا الفراغ عبر تحالفات جديدة، أبرزها "مجموعة باسيك" التي تضم إلى جانبهما الهند وجنوب أفريقيا، إلى جانب تكتلات أخرى مثل "مجموعة 77 والصين" وتحالف "الدول الجزرية الصغيرة" المهددة بالغرق بسبب ارتفاع منسوب البحار.
تمثل هذه التحالفات محور المفاوضات، إذ تدفع الدول النامية باتجاه التزامات مالية واضحة من الدول المتقدمة، بينما تصر الأخيرة على تقاسم المسؤوليات مع الاقتصادات الناشئة التي باتت اليوم من كبار الملوثين.
جدول مزدحم وقضايا مؤجلة
تنطلق القمة رسمياً من العاشر إلى الحادي والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن التحضيرات السياسية والمالية سبقتها في اجتماعات متفرقة في ريو دي جانيرو وساو باولو. وفي الأسبوع الأول من المؤتمر، يعمل المفاوضون على تحديد أولوياتهم وبناء تحالفات تفاوضية حول القضايا الخلافية، مثل تمويل "الخسائر والأضرار" والتخلص التدريجي من الوقود التقليدي.
أما الأسبوع الثاني، فيشهد انضمام الوزراء ورؤساء الوفود لاتخاذ قرارات سياسية بشأن النصوص النهائية، وغالباً ما تمتد النقاشات إلى ساعات الليل الطويلة وسط محاولات لإيجاد حلول وسط تحفظ ماء وجه جميع الأطراف. ويتوقع أن تتركز المفاوضات على ثلاثة محاور أساسية، هي تمويل التكيف المناخي، والانتقال الطاقي، وحوكمة الانبعاثات.

المال محور كل الخلافات
التمويل هو عقدة القمم المناخية المتتالية، فالدول الغنية لم تفِ حتى الآن بتعهدها السابق بتوفير مئة مليار دولار سنوياً لتمويل مشاريع المناخ في الدول الفقيرة. ويطرح الرئيس البرازيلي خريطة طريق جديدة تقوم على مضاعفة التمويل العالمي ليصل إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول 2035، مع التركيز على حماية الغابات ومشروعات الطاقة المتجددة.
لكن المفاوضات حول هذه الآلية لا تبدو سهلة، إذ تصرّ بعض الدول المانحة على أن يكون التمويل "مشروطاً بالإصلاحات الاقتصادية"، بينما تطالب الدول النامية بمقاربة أكثر عدلاً تقوم على "التعويض المناخي" لا "القروض".
صوت الجنوب العالمي
برز خلال التحضيرات للقمة تزايد نفوذ ما يسمى بـ"الجنوب العالمي"، وهو تكتل غير رسمي يضم دولاً نامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تسعى إلى إعادة صياغة توازن القوى في المفاوضات المناخية، ويقول مراقبون إن هذا التحول يعبّر عن إدراك متزايد بأن العدالة المناخية لا يمكن تحقيقها إلا عبر تمكين هذه الدول من التحول الاقتصادي الأخضر دون التضحية بنموها.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 60% من مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة في العالم خلال العقد المقبل ستقام في دول الجنوب، لكن التمويل والتكنولوجيا ما زالا في أيدي الشمال.
ترامب الغائب الحاضر
رغم غياب الولايات المتحدة الرسمي، يظل اسم الرئيس السابق دونالد ترامب حاضراً في المشهد، فقد كتب عبر منصاته الاجتماعية مهاجماً "فضيحة" قطع الأشجار في بيليم، في تعليق على تقرير بثته قناة "فوكس نيوز".
ومع ذلك، يدرك المشاركون في "COP30" أن هذه القمة تأتي في لحظة حرجة من التاريخ، إذ أقر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخراً بأن تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية أصبح أمراً شبه حتمي، داعياً إلى أن يكون هذا التجاوز مؤقتاً وقصير المدى.
لكن هذه التصريحات، رغم واقعيتها، تحمل في طياتها اعترافاً بالفشل الجماعي في تحقيق أهداف اتفاق باريس، وتفتح الباب أمام تساؤل وجودي: "هل لا يزال بالإمكان إنقاذ الكوكب من نقطة اللاعودة؟".
في المقابل، ترى بعض الأصوات المتفائلة أن انعقاد القمة في قلب الأمازون يمنحها زخماً أخلاقياً فريداً، وقد يكون حافزاً لدفع العالم نحو التزامات أكثر جدية، خاصة إذا نجحت البرازيل في جمع أطراف متباعدة حول رؤية واقعية للتعاون المناخي.
