مؤتمر الأطراف COP30 يجمع العالم.. مواجهة مباشرة لتحدي المناخ
تنطلق فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ «COP30» اليوم الإثنين في مدينة بيليم في البرازيل.
يمثل المؤتمر لحظة حاسمة للعمل المناخي العالمي، حيث سيجمع قادة العالم وصنّاع السياسات والعلماء والمجتمع المدني للدفع قدماً بأهداف اتفاق باريس وتسريع الحلول المناخية.
ويُصادف مؤتمر COP 30 مرور 3 عقود على بدء مفاوضات المناخ العالمية. وخلال هذه الفترة، نجحت الدول في الحدّ من الارتفاع المتوقع في الانبعاثات إلى حد ما، ولكن ليس بما يكفي لمنع ما يعتبره العلماء احتباسا حراريا شديدا في العقود القليلة القادمة.
على مدار 12 يوماً متصلة ستوفر مدينة "بيليم" للعالم منصة فريدة لمناقشة الحلول المناخية، تنطلق بثبات من قلب الأمازون، حيث سيركّز مؤتمر COP30 على مفاوضات محورية تتعلق بالتمويل المناخي، وخفض الانبعاثات، والتكيّف، والقدرة على الصمود. غير أن التعثر في التوصل إلى اتفاق نهائي كثيرًا ما يؤدي إلى تمديد المحادثات، إذ انتهت فعاليات COP29 في باكو، العام الماضي رسميًا بعد 35 ساعة من موعدها المقرر الأصلي. وكان أطول تجاوز للمدة في كوب 25 بمدريد عام 2019، حيث انتهت الفعاليات متأخرة بأكثر من 40 ساعة.
وسيسلط مؤتمر الأطراف COP30 الضوء على الجهود اللازمة لحصر الاحترار العالمي في 1.5 درجة مئوية، وعلى عرض خطط العمل الوطنية الجديدة (المساهمات المحددة وطنياً)، وعلى التقدم المحرز في التعهدات المالية التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الأطراف COP29.
مواجهة تحدي المناخ مباشرة
على الرغم من أن المؤتمر سبق أن نُظم في أمريكا الجنوبية، فإنها المرة الأولى التي يحل فيها بالبرازيل. وهي أيضًا المرة الأولى التي تُعقد فيها الاجتماعات في غابات الأمازون المطيرة.
أطلق المنظمون البرازيليون على مؤتمر هذا العام تسمية "كوب الغابة"، كما أعلن رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا هذا العام "كوب الحقيقة".
وجرى اختيار COP30 خصيصًا كي يضطر قادة العالم إلى "مواجهة أزمة المناخ مباشرة"، وفقًا للرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف أندريه كوريّا دو لاغو. تقع بيليم على تخوم غابة الأمازون المطيرة، وهي منطقة مهددة بتغير المناخ وإزالة الغابات.
المدينة نفسها شديدة التعرض لآثار تغيّر المناخ، حيث تقع 40% منها تحت مستوى سطح البحر، وغالبية الناس يعيشون في شوارع بلا أشجار.
مشاركة عالمية واسعة
ومن المتوقع أن يحضر ما بين 50 و60 ألف مندوب -من رؤساء دول ووزراء وخبراء وجهات مالية فاعلة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومجتمعات السكان الأصليين- إلى عاصمة ولاية بارا، بيليم، في محاولة لإحياء الزخم العالمي للمناخ.
وتتمثل الأولويات الرئيسية لمؤتمر الأطراف هذا في تسريع التحول في مجال الطاقة، وضمان انتقال عادل للدول الأكثر ضعفًا، والأهم من ذلك كله، حشد تمويل واسع النطاق للأنشطة المناخية لصالح الاقتصادات النامية.
حتى يوم السبت، الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أكد نحو 60 من قادة العالم حضورهم مؤتمر هذا العام، من بينهم؛ رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والأمير ويليام (نيابة عن الملك تشارلز)، ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس.
بينما لن يحضر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى تصريحاته الأخيرة التي اعتبر فيها تغيّر المناخ "أكبر عملية احتيال". ولن يوفد أي مسؤول رفيع المستوى بدلًا منه. وستنسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس رسميًا في يناير/كانون الثاني 2026. كما لن يحضر رئيس الصين شي جين بينغ، لكنه أرسل وفدًا نيابة عنه.
وإلى جانب السياسيين، سيحضر المؤتمر دبلوماسيون وصحفيون، فضلاً عن ناشطين في مجال البيئة.
يستهدف مؤتمر هذا العام النقاط الآتية:
- تحفيز تنفيذ المستهدفات المناخية ودمجها بالخطط الوطنية.
- تناول نتائج التقييم العالمي الأول لأهداف اتفاقية باريس.
- تحويل COP30 من منتدى للتفاوض إلى منصة للإنجاز والابتكار والشراكة.
تقديم رؤية واضحة للفاعلين العالميين، لتقديم إسهامات للحلول الواقعية لتغير المناخ.
بدورها، أكدت الرئيسة التنفيذية للمؤتمر آنا توني، أهمية المشاركة بوصفها "قوة"، داعية الجميع إلى الانخراط في "هذا العمل الجماعي العالمي"، والاستفادة من الجدول الذي يمنح الوضوح للمشاركين والقوة الدافعة لحراكنا.
كما يرى الرئيس المعين لمؤتمر المناخ COP30، أندريه كوريا دو لاغو، أن فعاليات المؤتمر بمثابة دعوة للعالم للقدوم إلى "بيليم" والمساعدة في تشكيل ملامح المستقبل، لافتًا إلى أن الهدف هو توفير منصة تلتقي فيها عناصر التطبيق والعدالة والشعور بالإلحاح، وأن تتحول التجربة الحياتية إلى إجراء مناخي عاجل.
وتُغطّي فعاليات مؤتمر المناخ COP30 في البرازيل أكثر من 30 موضوعًا مترابطًا من خلال جلسات حوارية وفعاليات جانبية وبرامج ثقافية ومعارض، بما يعكس القيادة المناخية المتنوعة والتقدم المُحرز عالميًا.
- «فرونتير 25».. خطوة إماراتية جريئة نحو صناعة مستقبل الحياد الكربوني العالمي
- غياب أمريكي يربك COP30.. واشنطن تراهن على النفوذ الاقتصادي
6 محاور استراتيجية
ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP30) في قلب غابات الأمازون، التي تواجه خطر الوصول إلى نقطة تحول بيئية لا رجعة فيها.
ولا يُعد هذا المؤتمر مجرد اجتماع تفاوضي، بل اختبار عالمي للانتقال من مرحلة الإدراك إلى مرحلة التنفيذ. إن التغيير لم يعد خيارًا، بل ضرورة إما أن تُدار بإرادة جماعية، أو تُفرض بفعل الكارثة.
خلال الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 يتضمن جدول أعمال المؤتمر أكثر من 30 هدفًا مترابطًا، تتوزع على 6 محاور رئيسة: الطاقة والصناعة والنقل، والغابات والمحيطات والتنوع البيولوجي، والزراعة والأنظمة الغذائية، والمدن والبنية الأساسية والمياه، والتنمية البشرية والاجتماعية، وموضوعات جامعة لعدة جوانب.
وتفصيليًا، تستهدف مناقشات يومي 10 و11 نوفمبر/تشرين الثاني وضع أساس للاستعداد والمرونة على الصعيد المناخي عبر الأنظمة والقطاعات والمجتمعات والمناطق المختلفة من خلال بحث موضوعات التكيف والمدن والبنية الأساسية والمياه والمخلفات والحكومات المحلية والاقتصاد الدائري والاقتصاد الحيوي والسياحة.
وخلال يومي 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني سيناقش الحضور موضوعات الصحة والوظائف والتعليم والثقافة والعدالة وحقوق الإنسان وسلامة المعلومات والعمال؛ من أجل تعزيز العدالة والمسؤولية الأخلاقية خلال عملية إدارة المناخ.
وفي 14 و15 نوفمبر/تشرين الثاني سيتناول المشاركون موضوعات التحولات النظامية في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والتجارة والتمويل وأسواق الكربون والغازات غير الكربونية؛ بهدف دعم المسعى العالمي لمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة 3 مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة والتحول بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري على نحو عادل ومنصف ومنظم.
وفي 17 و18 نوفمبر/تشرين الثاني سيكون الحديث عن رفع مستوى الإدارة العالمية والمجتمعية للغابات والمحيطات والتنوع البيولوجي، مع تسليط الضوء على السكان الأصليين والمجتمعات المحلية والشباب والأطفال ورواد الأعمال، وتقديم حلول شاملة وراسخة ومتوافقة مع الطبيعة.
وفي 19 و20 نوفمبر/تشرين الثاني سيناقش المشاركون موضوعات الغذاء والزراعة والمساواة والأنظمة الغذائية والأمن الغذائي ومصائد الأسماك والزراعة الأسرية، كما سيركز اليوم الأخير على العلوم والتقنيات والذكاء الاصطناعي.
وفي إطار تعزيز التنفيذ العملي لأجندة المؤتمر، يضطلع أبطال المناخ رفيعو المستوى بدور حيوي في تعبئة المبادرات الطوعية من الأطراف غير المفاوضة.
وقد قررت رئاسة COP30 التعاون مع البطل الحالي دان يوشبي (Dan Ioschpe) وسلفه نيغار أبارداراي (Nigar Arpadarai) لتقديم أجندة موحدة تُترجم نتائج الجرد العالمي الأول (GST-1) إلى خطة عمل عملية. وتهدف هذه الأجندة إلى تسريع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من خلال حلول متعددة تغطي محاور المؤتمر الـ6 والـ30 موضوعًا أساسيًا، في إطار شامل يعزز العمل الجماعي والمساءلة المناخية.
لحظة مناخية فاصلة
يُمثل مؤتمر الأطراف الثلاثون (COP30) في بيليم لحظة فاصلة في مسار العمل المناخي العالمي، حيث ينتقل التركيز من مرحلة التفاوض إلى التنفيذ الفعلي للالتزامات المناخية.
يأتي المؤتمر في سياق دولي مقلق، إذ شهد عام 2024 أول تجاوز لمتوسط درجة الحرارة العالمية حاجز 1.5 درجة مئوية، ما يعكس اتساع الفجوة بين التعهدات القائمة والمطلوب لتحقيق أهداف اتفاق باريس.
كما أظهر مسار المؤتمرات السابقة، من التركيز على التنفيذ في شرم الشيخ (COP27) إلى هندسة الهيكل المالي الجديد في باكو (COP29)، يرث مؤتمر بيليم إطارًا ماليًّا طموحًا يتمثل في “خريطة طريق باكو إلى بيليم”، لكنه يواجه الاختبار الأصعب: ترجمة هذه الأهداف إلى تدفقات مالية حقيقية يمكن الوصول إليها، وإدماج نتائج أول تقييم عالمي (Global Stocktake) في جيل جديد من المساهمات المحددة وطنياً (NDCs 3.0) أكثر طموحًا وشمولية.
إن انعقاد المؤتمر في قلب الأمازون يمنحه دلالات رمزية واستراتيجية عميقة، تجمع بين حماية النظم البيئية وتجديد الثقة باتفاق باريس، بما يمهّد لعقدٍ من التنفيذ القائم على العدالة والابتكار والتعاون المتعدد المستويات. غير أن التحدي الأبرز يظل في قدرة المجتمع الدولي على تجاوز "مفارقة" الطموح العالمي والقيود السياسية والاقتصادية المحلية - وهي المفارقة التي تجلت بوضوح في سياسات الدولة المضيفة نفسها، التي تسعى للموازنة بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. لذلك، فإن نجاح بيليم لن يُقاس بعدد الخطابات أو القرارات، بل بقدرته على إطلاق حراك عالمي حقيقي ومستدام يعيد توجيه السياسات والاستثمارات نحو مسار يوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة المناخية.
اختبار حقيقي لاتفاق باريس
بعد مرور عقد على اعتماد اتفاق باريس للمناخ، يخضع الاتفاق لاختبار حقيقي لمدى فعاليته في مواجهة أزمة المناخ المتسارعة. ومع انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30)، يتعين على الدول تقديم مساهماتها الوطنية الجديدة (NDCs 3.0) بما يعكس نتائج الجرد العالمي الأول (GST-1)، الذي يقيم كل خمس سنوات مدى التقدم في تنفيذ الاتفاق، سواء على صعيد تخفيض الانبعاثات، أو التمويل المناخي، أو التكيف مع تغير المناخ.
ويجب أن تشمل هذه المساهمات تعزيز أهداف عام 2030، ووضع التزامات واضحة لعام 2035، بما في ذلك تسريع التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري ووقف تدهور النظم البيئية. كما يجب على الدول المتقدمة توفير التمويل والدعم التكنولوجي اللازمين، عبر خريطة الطريق من باكو إلى بيليم، لضمان تنفيذ فعّال وعادل.
مرافق الغابات الاستوائية الدائمة (TFFF)
وفي حين يدعو العلماء الدول إلى وقف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ليكون خطوة أولى في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد ارتفعت انبعاثات غاز الميثان منذ التعهد الذي تم تقديمه عام 2021 في قمة الأمم المتحدة في غلاسكو.
وتشير التقارير إلى أن انبعاثات الميثان العالمية سترتفع بنسبة 30% على الأقل عن مستويات عام 2020 بحلول عام 2030.
وأعلن رئيس بلدية نيويورك السابق والملياردير مايكل بلومبيرغ، الخميس الموافق 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عن استثمار بقيمة 100 مليون دولار لتعزيز جمع بيانات مراقبة غاز الميثان من شبكة عالمية من الأقمار الصناعية.
وسوف يدعم هذا الاستثمار أيضا الجهود السياسية التي تبذلها 9 دول، بما في ذلك أستراليا وإندونيسيا والمكسيك ونيجيريا، فضلا عن ولايات أمريكية مثل كاليفورنيا ونيومكسيكو، للحد من تسرب غاز الميثان.
وتأمل البرازيل أن تستثمر الدول الغنية في آليات التمويل. وقد تحسم قمة زعماء العالم مصير الاقتراح البرازيلي، "مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد"، وهو آلية تمويل متعددة الأطراف تهدف إلى جمع 125 مليار دولار لدعم الحفاظ على الغابات المهددة بالانقراض والأشخاص الذين يعيشون فيها، في الأمازون وحوض الكونغو وجنوب شرق آسيا.
يُروّج للصندوق كآلية شاملة لحماية الغابات وتمكين الشعوب الأصلية من التمويل المباشر. لكن هناك تفاصيل كثيرة تحتاج إلى ضمانات واضحة، خصوصا فيما يتعلق بكيفية استخدام الأموال ومنع استثمارها في التعدين أو الزراعة الصناعية التي تسبب إزالة الغابات.
وطلبت البرازيل من الدول تقديم استثمارات للصندوق، لكن المملكة المتحدة، التي ساهمت في صياغة آلية عمل الصندوق، أعلنت أنها لن تقدم أي تمويل نقدي.
وفي المقابل، تعهدت إندونيسيا سبتمبر/أيلول الماضي بتقديم مليار دولار، والأسبوع الماضي تعهدت بمساهمة مماثلة. كما أعلنت الصين أنها ستساهم، لكنها لم تُفصح عن حجم مساهمتها بعد. ولم تعلن أي من الدول الغنية الصناعية عن مساهماتها حتى الآن، وهو ما يأمل دا سيلفا أن يتغير.
وتشير دراسة لمنظمة "كلايمت فوكس" إلى أن عام 2024 شهد تدمير 8.1 ملايين هكتار من الغابات، منها 6.7 ملايين هكتار من الغابات الاستوائية الأولية الغنية بالكربون والتنوع الحيوي.
مؤتمر الأطراف COP30 يُعد اختبارًا حقيقيًّا لفعالية اتفاق باريس بعد عقد من إقراره، وفرصة لإطلاق ما يمكن تسميته بـ "عقد التنفيذ المناخي". وسيبقى نجاحه مرهونًا بقدرة الدول على تجاوز المصالح الضيقة وتجسيد روح التضامن والعمل الجماعي المستلهمة من مفهوم "الموتيراو" البرازيلي، من أجل الانتقال من التعهدات النظرية إلى إجراءات عملية قادرة على حماية الكوكب وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU0IA== جزيرة ام اند امز