تعديل الدستور لصالح الرؤساء.. جدل "أفريقي" مستمر
خبراء يتحدثون لـ"العين الإخبارية" حول سلبيات وإيجابيات قضية تمديد فترات الرئاسة وما تتسبب فيه من جدل داخل بلدان القارة الأفريقية
مع اقتراب انتهاء فترات الحكم المحددة بالدستور في العديد من البلدان الأفريقية، يبدأ زعماؤها معارك سياسية وقانونية لتأمين العودة إلى قصورهم مرة أخرى.
فمسألة تعديل الدساتير للتمديد للرؤساء لدورات جديدة، ظلت تسيطر على المشهد السياسي في القارة السمراء طيلة العقدين الماضيين على الأقل.
واحتدم الجدل حول هذه القضية، في مغارب القارة الأفريقية ومشرقها، حيث شمل الجارتين رواندا وبورندي بجانب الكونغو الديمقراطية وبنين وبوركينا فاسو، قبل نحو عامين، وكانت النهايات تختلف من بلد لآخر، حسب ظروفه وواقعه السياسي.
وتسارعت وتيرة انتقال عدوى جدل تعديل الدستور بشكل لافت وسط بلدان القارة الأفريقية، لتمتد إلى السودان وموريتانيا، مع اختلاف الظروف في البلدين وكيفية التعاطي مع قضية التمديد للرئيسين.
وتباينت آراء خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" حول هذه القضية، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض لجوء زعماء أفارقة إلى تطويع الدساتير للاستمرار في السلطة أمر جيد مقارنة بوسائل العنف المستخدم في السابق، رأى آخرون أن احترام الدساتير يسهم في انتقال القارة السمراء نحو الديمقراطية المنشودة والتداول السلمي للسلطة.
الكونغو الديمقراطية.. نهج مختلف
وقد أرست الكونغو الديمقراطية نهجاً يعتبر الأول من نوعه في بلدان جنوب الصحراء، عندما تنازل الرئيس جوزيف كابيلا عن الحكم بانتهاء فترتين رئاسيتين (2006 _2012) و(2012_2018)؛ رافضاً كل دعوات تعديل الدستور ومنحه دورة ثالثة.
هذا التنازل مهد الطريق أمام مرشح المعارضة فيليكس تشيسيكيدي للفوز برئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال الانتخابات، التي أعلنت نتائجها الأسبوع الماضي، لتنتقل البلاد إلى مصاف متقدمة في مسألة تداول السلطة.
بورندي ..قلق مستمر
وفي بورندي، لا يزال الجدل والمخاوف من تعديل جديد للدستور يعطي الرئيس الحالي بيير نكورونزيزا حق الترشح لولاية رابعة عام 2020، يسيطران على المشهد السياسي، لا سيما بعد تمكن "بيير" من انتزاع فترة ثالثة في 2015 م عقب معركة مع المعارضة.
ولكن "بيير" الذي انتقدت المعارضة الراديكالية في بورندي تمديد فترته الرئاسية عام 2015 م، بعث بتطمينات نهاية السنة الماضية بأنه سيحترم الدستور ولن يترشح لدورة رئاسية رابعة، خلال الانتخابات المقرر إقامتها العام المقبل.
وقال بيير في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية: "لقد أعلنت ذلك من قبل خلال حفل التنصيب سنة 2015 وما زلت أكرر اليوم أن الرجل الحقيقي يتقلب في سريره لا في كلامه ووعوده"، كما يقول المثل البوروندي.
وأضاف: "سأدعم بكل ما أوتيت من قوى وقناعات الرئيس المنتخب في عام 2020".
ويرى محللون أن الرئيس رضخ أخيراً للواقع السياسي بعد الضغط الذي يلاقيه من جميع الأطراف، منذ ترشحه لولاية رئاسية ثالثة عام 2015 والفوز بها.
مورتيانيا .. وعود رئاسية قاطعة
بالنسبة للجمهورية المورتيانية، فقد قطع الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، الطريق أمام أي محاولات لتمديد ولايته الحالية، وأمر يوم الثلاثاء الماضي بوقف مبادرة تعديل الدستور التي يقودها نواب داخل البرلمان، ليتسنى له الترشح لدورة رئاسية جديدة.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، في وقت سابق، فإن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، قطع بوقفه لإجراء التعديلات الدستورية، الطريق أمام جماعة الإخوان الإرهابية في البلاد، والتي كانت تخطط لنشر الفوضى وزعزعة استقرار البلاد تحت ذريعة رفض تمديد ولاية الرئيس.
ورغم الوعود المتكررة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز بعدم نيته الترشح لدورة رئاسية ثالثة، إلا أن جماعة الإخوان الإرهابية ظلت تروج في الشارع العام للاتجاه إلى تعديل الدستور، بغرض التعبئة ونشر الفتنة وزعزعة استقرار البلاد.
ويرى مراقبون للشأن الموريتاني، أن ولد عبدالعزيز أكد بخطوة وقف تعديل الدستور صدق توجهه ووعوده، فضلاً عن قطع الطريق أمام دعاة الفتنة والتمهيد لاستقرار وتداول سلمي للسلطة في البلاد.
السودان على خطى التمديد
ولكن في السودان، كان الأمر مختلفاً بعض الشيء عن الحالة المورتيانية، حيث استجاب الرئيس عمر البشير لرغبة حزبه المؤتمر الوطني الحاكم ومبادرة نواب في البرلمان خاصة بتعديل الدستور لإعطائه حق الترشح لولايات مفتوحة، بعد أن كان مقرراً انتهاء فترته الرئاسية بحلول عام 2020.
وهو الأمر الذي خلف حالة من الجدل والربكة في المشهد السياسي السوداني، وتباين في مواقف القوى السياسية إزاء التمديد للرئيس الذي بلغت سنوات حكمه 30 عاماً.
ويرى دعاة تمديد ولاية الرئيس السوداني عمر البشير، أنه يمثل الضامن لتنفيذ مقررات الحوار الوطني، والعاصم لأمن البلاد واستقرارها، فضلاً عن أن طبيعة السودان وما يحيط به من مهددات تتطلب ديمومة النظام السياسي.
وبدأت إجراءات رسمية في البرلمان السوداني لتعديل الدستور الانتقالي، بجعل فترات الترشح لكل رئيس مفتوحة بدلاً من دورتين فقط، ما يجعل الطريق ممهداً أمام البشير للاحتفاظ بالسلطة بعد خوض الغمار الانتخابي عام 2020.

ظروف مختلفة
وتلقي مسألة تعديل الدساتير الأفريقية وما خلفته من جدل ومشكلات الضوء على مدى أهمية هذا الإجراء أو خطورته، وذلك باختلاف الظروف في كل دولة وما يحيط بها من مشكلات وأزمات اقتصادية وسياسية ربما تكون سبباً في سعي الزعماء للبقاء فترة أطول بالسلطة.
وقال المحلل السياسي السوداني عبداللطيف محمد سعيد لـ"العين الإخبارية" إن تمسك بعض القادة الأفارقة بالبقاء في الحكم وتطويع القوانين لصالح استمرارهم في السلطة يهزم حالة التعافي التي بدأت تشهدها القارة السمراء.
وأضاف: "حالة الوعي لدى الشعوب الأفريقية ارتفعت إلى حد بعيد، كما ازداد حجم تطلعاتها للأفضل من خلال تحول ديمقراطي يعزز الحرية والعدالة والتنمية وحقوق الإنسان، وأن أي نظام يحاول المضي عكس رغبة الشعب سينتهى إلى أمور غير محمودة".
وعلى النقيض، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية الدكتور علي إبراهيم أن لجوء بعض الزعماء الأفارقة لتعديل الدساتير حتى يستمروا في الحكم يمثل نقلة إيجابية مقارنة بما كان يحدث في السابق، حيث الاعتماد على آلية القوة والعنف للبقاء بالسلطة.
وقال إبراهيم في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن اعتماد الرؤساء الأفارقة على وسائل ذات طابع سلمي كتعديل الدستور للبقاء في سدة الحكم رغم أن فيه ردة عن التقدم باتجاه الديمقراطية إلا أنه يشير إلى حالة تعافٍ كبيرة إذا ما تم النظر للوسائل العنيفة في العقود الماضية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز

