أفريقيا.. صناديق انتخابية تحت حصار العنف والحروب الأهلية
"العين الإخبارية" تسلط الضوء وتستطلع آراء الخبراء حول الانتخابات في القارة الإفريقية التي جرت خلال عام 2018 وشهدت أغلبها أعمال عنف
تحديات مفتوحة، وأزمات عدة تشهدها القارة السمراء ولا تزال، فما بين حروب أهلية لا تنقطع وإرهاب ممول من أطراف عدة يهدف إلى ضرب استقرار تلك الدول وما يجاورها من بلدان عربية، تقف أفريقيا عند مفترق طرق لتعلق العديد من الآمال على صناديق الاقتراع، أملاً في أن يمتلك الوافد الجديد عبر الانتخاب مفاتيح الحل لمشكلات لا تقتصر فقط على الإرهاب والعنف المسلح، وإنما تمتد لتشمل أزمات المناخ والتصحر وندرة المياه وغيرها.
وخلال عام 2018 كانت القارة السمراء على موعد مع اختبار الصناديق، حيث شهدت انتخابات عدة ما بين رئاسية وعامة، في محاولة لإرساء تجربة ديمقراطية ذات طابع خاص، رغم ما شابها من أعمال عنف.
دماء في الطريق إلى صناديق الانتخاب
وفي مقدمة الدول التي لم تسلم من نيران العنف الانتخابي، تأتي الكونغو الديمقراطية، حيث أعلنت لجنة الانتخابات العامة، الخميس الماضي، فوز المرشح المعارض فيليكس تشيسيكيدي بالرئاسة، بعد اقتراع جرى في 30 ديسمبر 2018، ليعقب إعلان النتائج اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لتلك النتائج، أسفرت عن مقتل 6 أشخاص، وإصابة عدد من المواطنين، فضلاً عن إضرام النيران في 3 مراكز للشرطة.
وبحسب النتائج الأولية، التي أعلنها رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات كورناي نانغا، فاز تشيسيكيدي بعد حصوله على أكثر من 7 ملايين صوت، بما يعادل 38.57% من الأصوات، بينما حل في المرتبة الثانية المرشح المعارض مارتن فايولو، الذي حصل على 34.8% من الأصوات، ثم مرشح السلطة وزير الداخلية السابق إيمانويل رمضاني شاداري، الذي حصل على 23.8% من الأصوات.
وبعد إعلان النتائج، قال المرشح الحاصل على المرتبة الثانية من الأصوات، مارتن فايولو أمام المئات من أنصاره بمدينة "كيكويت" ـ 500 كيلومتر شرق العاصمةـ "إن مؤشرات الفرز تعكس إنقلابا انتخابيا"، متهما لجنة الانتخابات بالتزوير، وهي التصريحات التي أعقبتها مواجهات عنيفة بين أنصاره وقوات مكافحة الشغب.
بدوره، قال المرشح الفائز تشيسيكيدي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية: "نهنئ الشعب الكونغولي على النصر.. سأكون رئيساً لجميع المواطنين"، موجهاً التحية والشكر إلى الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا، ووصفه بأنه "شريك في تحقيق التداول الديمقراطي للسلطة".
وفي تعليقها على نتائج الانتخابات وما تلاها من أعمال عنف، دعت مفوضية الاتحاد الأفريقي، في بيان لها أمس، إلى ضرورة عمل جميع الأطراف المعنية على توطيد الديمقراطية وحفظ السلام في البلاد.
اتهامات بالتزوير
بخلاف الكونغو، شهدت القارة السمراء على مدار عام 2018 العديد من العمليات الانتخابية، ففي سيراليون تم انتخاب جوليوس مادا بيو، مرشح أكبر أحزاب المعارضة، في الرابع من أبريل/ نيسان الماضى، بعد فوزه في جولة الإعادة على مرشح الحزب الحاكم الذي رفض الاعتراف بالنتائج، وشهدت هذه الانتخابات أعمال عنف.
وأسفرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت في 7 مارس الماضي، عن تصدر "مادا" البالغ من العمل 53 عاماً نتائج التصويت بفارق 15 ألف صوتا عن "سامورا كامارا" وزير الخارجية والمالية السابق (66 عاما).
وتعد تلك هي المرة الأولى التي تجري فيها سيراليون انتخابات منذ انتشار وباء إيبولا، الذي أسفر عن وفاة 4 آلاف شخص في الفترة ما بين 2014 و2016.
ومن سيراليون إلى مالي، لم تخل القارة السمراء من مشاهد الانتخابات المشوبة بالعنف على مدار العام الماضي، حيث شهدت باماكو العاصمة انتخابات رئاسية نهاية يوليو الماضي، فاز خلالها الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا بولاية رئاسية ثانية، ولكن مرشح المعارضة سوميلا سيسي طعن لدى المحكمة الدستورية على تلك النتيجة، وقال: "إنه يرفض بشكل قاطع النتائج لأنها مزورة وشابتها خروقات"، إلا أن المحكمة أقرّت النتائج ورفضت الطعن.
ثاني جولات الانتخابات جرت في 12 أغسطس/ آب 2018، في أجواء باردة بسبب اعتقاد كثيرين أن النتيجة محسومة سلفا لصالح الرئيس المنتهية ولايته، في اقتراع جرى وسط إجراءات أمنية مشددة، تخللته اتهامات بالتزوير وأعمال عنف أسفرت عن مقتل موظف في مركز انتخابي.
وجرت الانتخابات الرئاسية في جو من اللامبالاة وعدم الحماس، فى أوساط شعب يعيش نصفه تقريبا تحت خط الفقر، وأرهقته المواجهات بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة.
وفي أجواء لا تقل حدة، وبعد الإطاحة بالرئيس الزيمبابوى روبرت موجابي إثر انقلاب جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، استطاع أمرسون منانجاجوا الفوز في أول انتخابات رئاسية بعد عهد الرئيس المعزول، حيث أعلنت لجنة الانتخابات في زيمبابوى فوز منانجاجوا الذي عمل سابقاً رئيساً لجهاز الاستخبارات، بالاقتراع الذي جرى في أغسطس/ آب 2018، وشهد مقتل 6 أشخاص خلال احتجاجات المعارضة.
وتولى منانجاجوا قيادة زيمبابوي بعد حصوله على 50.7% من أصوات الناخبين، مقابل 44.3% حصدها منافسه الرئيسي نلسون شاميسا.
طوابير الناخبين في عيون الخبراء
وبعد الانتخابات التي شهدها العام الماضي، وفيما تستعد القارة السمراء لانتخابات جديدة، من بينها نيجيريا التي ينافس فيها الرئيس الحالي محمد بخاري للفوز بولاية ثانية أمام أتيكو أبو بكر عضو حزب الشعب الديمقراطي، استطلعت "العين الإخبارية" آراء خبراء الشئون الأفريقية في محاولة للوقوف على تداعيات تلك الانتخابات، وما إذا كانت ستغير من المشهد الأفريقي في ملفات مكافحة الإرهاب والحروب الأهلية، وغير ذلك.
بداية، قال المتخصص في الشئون الأفريقية، أبي هايلو: "إن العنف في الانتخابات يشكل تهديدًا خطيرًا لبقاء الديمقراطية في أفريقيا، لأنه يهز ثقة المواطنين في قدرة الديمقراطية على توفير الحلول للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العديدة التي تواجه القارة، وإن العنف يقدم تبريرا للتدخلات العسكرية في بعض البلدان مثل نيجيريا في الماضي، ولذلك هناك حاجة ملحة لمعالجة المشكلة".
من جانبه، قال هابتو جبراجزابهير الخبير في العلوم السياسية: إن "الديمقراطية الحديثة تعني نظاما متعدد الأحزاب، وانتخابات حرة ونزيهة ودورية، وتغيير الحكومة هو مبدأ ديمقراطي، ولا يمكن للحزب أن يبقى في السلطة إلى أجل غير مسمى، وينبغي استبداله بحزب آخر عندما يفوز هذا الأخير بغالبية الأصوات".
وأضاف هابتو: أن "الديمقراطية تتوافق مع القيم الأفريقية، وأفريقيا جاهزة الآن للديمقراطية، وأن إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة يمكن أن يسهم في ترسيخ الديمقراطية في قارتنا العظيمة".
في المقابل، قال الدكتور عبدالناصر علي الفكي رئيس قسم الاجتماع بجامعة أفريقيا العالمية بالسودان: "إن عملية الانتخابات في العام ٢٠١٨، تسير في طريق ترسيخ بناء الديمقراطية في أفريقيا لتستوعب التعدد الإثني، في إطار الدولة الواحدة".
وتابع الفكي في تصريحه لـ"العين الإخبارية": "نشهد وعيا متزايدا لدى الجيل الجديد من الشباب والشابات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة نهوض أفريقيا وقبول قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر".
وفي الأيام الأولى من العام الحالي، أعلنت المحكمة الدستورية العليا في مدغشقر، الثلاثاء الماضي فوز أندريه راجولينا في الانتخابات الرئاسية، الذي كان قد ترأس الإدارة الانتقالية لمدغشقر من 2009 إلى 2013، متغلباً على منافسه الرئيسي الرئيس السابق للبلاد خلال فترة (2002-2009) مارك رافالومانانا، في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، في الجولة الثانية من التصويت.
وخاض راجولينا الذي كان يعمل في قطاع الإعلان والموسيقى، منافسة شرسة مع رافالومانانا، الذي صنع ثروة على رأس مجموعة للألبان منذ أزمة 2009.
وبعد انتخابه رئيسا في 2002، اضطر رافالومانانا للاستقالة في العام 2009، وذلك بعد مواجهة مع تظاهرات عنيفة نظمها راجولينا الذي كان قد انتخب حينها رئيسا لبلدية العاصمة أنتاناناريفو.
وفي الكاميرون، أسفرت الانتخابات الرئاسية التي جرت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عن فوز الرئيس الكاميروني" بول بيا" بولاية سابعة لرئاسة البلاد الواقعة غرب إفريقيا.
وفاز بيا بحصوله على أكثر من 71% من الأصوات، متغلبا على منافسه مرشح المعارضة موريس كامتو بفارق كبير، حيث حصل على 14% من الأصوات في الانتخابات التي شهدت نسبة مشاركة ضعيفة في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية، بعد أن فر ما يقارب ربع مليون شخص من القتال بين الانفصاليين الناطقين بالإنجليزية وقوات الأمن.
وفي رواندا، حصل حزب الجبهة الوطنية الرواندية على غالبية الأصوات بالانتخابات العامة، التي جرت بين 2 و4 سبتمبر/ أيلول 2018، وفق نتائج أعلنتها لجنة الانتخابات، وفاز حزب الجبهة الوطنية الرواندية بـ40 مقعدًا في البرلمان، فيما تقاسمت 3 أحزاب موالية للحكومة 11 مقعدًا، وحصد حزب الخضر الديمقراطي المعارض مقعدين.
ديمقراطية وليدة
اعتبر "أبى هيلو" خبير الشئون الأفريقية أن وتيرة العنف المصاحب للعملية الانتخابية في أفريقيا لا تشي بمستقبل جيد، مستشهداً بما جرى في دول مثل سيراليون والسنغال وجامبيا ورواندا وغانا وليبريا وزمبابوي وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلا أن العديد من الخبراء يعلقون الكثير من الآمال على القمة الأفريقية المرتقبة، التي تنطلق نهاية يناير/ كانون الثاني الجاري، لمناقشة هذا الملف، ذلك بخلاف ما أكدته الدراسات الاستقصائية واسعة النطاق الصادرة عن "Afrobarometer"، وهي شبكة بحوث مستقلة، حيث تؤكد أن غالبية مواطني أفريقيا ما زالوا يفضلون الديمقراطية، وهذه حقيقة يدركها الاتحاد الأفريقي بشكل متزايد، ويحاول دعمها حسب الدراسة .
وفى محاولة لعدم رسم صورة قاتمة، قال "الفكي" لـ"العين الإخبارية": "إن العام 2018 شهد عمليات للتحول الديمقراطي، ولعبت المنظمات الإقليمية والدولية في القارة- رغم ضعف الإمكانيات- دوراً هاماً في عمليات المراقبة والمتابعة للتأكد من تحقيق المنافسة العادلة والمتساوية بين كل المرشحين في العديد من الدول الأفريقية، وهذا يعد عاملا إيجابيا.