محللون موريتانيون: رفض الرئيس تعديل الدستور يعزز تجربتنا الديمقراطية
ساسة ومحللون موريتانيون اعتبروا تدخل الرئيس محمد ولد عبدالعزيز لوقف تعديل الدستور يشكل حرصا على احترام مبدأ التداول السلمي للسلطة.
اعتبر ساسة ومحللون موريتانيون أن تدخل الرئيس محمد ولد عبدالعزيز لوقف مبادرات تعديل دستوري يسمح له بفترة رئاسية ثالثة يشكل تعزيزا لتجربة الدولة الديمقراطية، وحرصا على احترام مبدأ التداول السلمي للسلطة الذي أقره دستور هذا البلد منذ عام 2006.
- رئيس موريتانيا يتعهد بالتطبيق الصارم للقانون ضد دعاة الإرهاب والتطرف
- موريتانيا تعتمد "9 يناير" يوماً وطنياً لمحاربة الكراهية والتطرف
وأوضح المحللون لـ"العين الإخبارية" أن التجارب الناجحة لتداول السلطة في المحيط الأفريقي باتت تفرض على موريتانيا طموحا ديمقراطيا أعلى، يضعها في مصاف هذه البلدان ذات التجارب الرائدة.
ودعا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، الثلاثاء الماضي، إلى وقف مبادرة تعديل الدستور التي أطلقها برلمانيون قبل أيام، والتي كانت تستهدف مراجعة مواد متعلقة بالمأموريات الرئاسية، مطالباً من وصفهم بـ"الغيورين على مصلحة الوطن" بالوحدة لمواجهة دعاة الكراهية والتطرف.
موقف تاريخي
الدكتور شيخنا ولد حجبو النائب البرلماني السابق رئيس حزب الكرامة يرى أن قرار الرئيس الموريتاني الأخير بخصوص رفض تعديل الدستور، و"الحرص على تقوية المؤسسات الديمقراطية" ليس وليد اللحظة، بل ظل موقفا ثابتا في كل تصريحاته.
وأشار إلى أن من يعرف الرئيس محمد ولد عبدالعزيز ومتابع لمسار حكمه "يدرك ببساطة أن من أبرز ثوابت تفكيره قناعته الراسخة ببناء دولة للجميع قائمة على العدل والإنصاف"، على حد تعبيره، مضيفا أن "هذه القناعة ثابتة، ولم تكن عنده في أي يوم قضية تكتيكية".
وانتقد ولد حجبو موقف المعارضة وما وصفه بـ"تشكيكها وتسفيهها الدائم في صدق نيات الرئيس تجاه خدمة وتعزيز الديمقراطية في البلد"، مبينا أن الأغلبية السياسة ظلت أيضا "تتأرجح في الفهم حيال مواقفه وتصريحاته حول الالتزام بالدستور".
وأشار إلى أنه رغم وجود طيف كبير من الأغلبية كان يفضل بقاء ولد عبدالعزيز في الحكم لولاية ثالثة، فإن الرئيس ظل يهيئ الجميع لقبول رغبته في الالتزام بالدستور الحالي، والاكتفاء بالمأمورية الرئاسية الثانية والأخيرة، ما ينم عن حرصه على الالتزام بـ"الخيار الوطني"، مضيفا أنه كانت لديه جميع المقومات والوسائل القانونية والسياسية التي تمكنه من الاستمرار في الحكم لو أراد ذلك.
وخلص رئيس حزب الكرامة إلى أن موقف الرئيس الأخير يعد "عملا تاريخيا للأمة"، ويعزز قيم التداول السلمي للسلطة في البلد، ويغلق الباب نهائيا أمام "الطموحات غير المشروعة" ويعطي الفرصة لبناء المؤسسات واحترامها.
مكسب للتجربة الديمقراطية
في الوقت نفسه، أكد الكاتب مولاي أباه نائب نقيب الصحفيين الموريتانيين أن حسم الرئيس الموريتاني موقفه من الجدل الدائر حول ما يعرف بـ"المأمورية" جاء في وقته المناسب، ويؤكد عدم وجود علاقة له بحراك تعديل الدستور.
- فشل جديد للجزيرة القطرية في استهداف موريتانيا
- مسيرة في موريتانيا ضد الإرهاب.. حشود تصيب الإخوان بالذعر
ووصف مولاي أباه البيان الصادر عن الرئاسة بأنه "على مستوى الحدث"، ونزع فتيل أزمة سياسية كانت تلوح في الأفق، خاصة بعد نزوع البعض إلى "التصعيد بشكل متسارع"، بدعاوى وقف "المخطط" البرلماني المخالف للدستور، في إشارة إلى تهديد بعض الناشطين بالاحتجاج ضد مساعي التعديل.
وأشاد بموقف الرئيس الموريتاني باعتباره يشكل مكسبا لتجربة البلد الديمقراطية، وقطيعة مع عهود لم يعد الظرف الزمني والموقع الإقليمي للبلاد يسمح بها، مستدلا بنماذج التداول السلمي للسلطة التي تجرى في المحيط الأفريقي.
وأوضح نائب نقيب الصحفيين الموريتانيين أن الموقف التاريخي للرئيس الموريتاني بخصوص الدستور من شأنه تعزيز مكانة البلد وسمعته خارجيا، مثلما سيخلق مناخا سياسيا داخليا هادئا يسمح بتداول السلطة ويقطع الطريق أمام الأطماع الداخلية والخارجية لزعزعة أمن واستقرار البلد.
وقلل من أي تأثير محتمل لغياب الرئيس كمرشح في الاستحقاق الرئاسي القادم على تماسك حزبه الحاكم وأغلبيته السياسية، معتبرا أن إشرافه على هذه "المرحلة الانتقالية الحالية" سيكون داعما قويا لتماسك الأكثرية داخل الأغلبية، وأن الأغلبية قد تلجأ إلى خيار الدفع بأكثر من مرشح واحد من أجل احتواء أي احتمال لانجراف بعض قواعدها الشعبية إلى المعارضة.
وأشار مولاي أباه إلى أن تأكيد الرئيس بقاءه كفاعل مستقبلي في المشهد السياسي لمرحلة ما بعد رئاسيات 2019 قد يساهم كذلك فيما وصفه بـ"لجم طموحات البعض في التسرع في القفز من السفينة قبل ضمان انتخاب رئيس يمثل الأغلبية السياسية الحالية".
فتح حوار شفاف
عبدالله السيد الكاتب والمحلل السياسي المدير السابق لصحفية "الشعب" الحكومية أوضح في تدوينة له على حسابه بـ"فيسبوك" أن بيان الرئيس حول المأمورية "جاء في وقته بعد أن بلغت القلوب الحناجر وظن الجميع بالرئيس الظنون".
وأضاف: "على الرئيس أن يُتْبِعَ هذا البيان بتهدئة للوضع بفتح حوار حول تنظيم الانتخابات المقبلة في جو مسؤول وبطريقة شفافة، وعليه أن يعد لمغادرة تاريخية ترفع رأسه وترفع رأس الوطن.. يجب ألا يقف الإنجاز هنا فالمرحلة المقبلة انعطافة تاريخية حساسة، يجب أن نعمل كلنا من أجل مرورها بسلام".
وكانت الساحة السياسية الموريتانية قد شهدت مؤخراً حراكاً يقوده برلمانيون وشخصيات مرجعية وسياسية؛ للمطالبة بتعديل دستوري يسمح بفتح المأموريات الرئاسية، بما يسمح للرئيس محمد ولد عبدالعزيز بالترشح مجدداً للاستحقاقات الرئاسية المنتظرة ربيع عام 2019.
وأكد عبدالعزيز، في أكثر من مناسبة، عدم الترشح لولاية رئاسية ثالثة، احتراماً لدستور البلاد، لكنه أشار إلى حقه في ممارسة السياسة في بلاده من خلال حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم حالياً.
وتشهد موريتانيا خلال النصف الأول من عام 2019 استحقاقاً انتخابياً يُنتظر أن يفرز وصول رئيس جديد إلى السلطة، بعد إبداء عبدالعزيز نيته في عدم الترشح مرة أخرى.