بحلول الوقت الذي يصبح فيه ترامب رئيسا وقائدا للقوات الأميركية سيدرك مثل من سبقوه أنه قد ورث تقاليد يتوقع العالم منه الالتزام بمعاييرها
تتولى الولايات المتحدة الزعامة العالمية، منذ الحرب العالمية الثانية، ليس فقط لقوتها العسكرية ولكن لقيمها العالمية - بما في ذلك الانفتاح على العمل مع الدول الأخرى. ولكن أكد الرئيس المنتخب دونالد ترامب على أن إستراتيجية "أميركا أولا"، مما يعكس شكوكه حول التحالفات الأمنية والاتفاقات التجارية المبرمة مع العديد من الدول التي بدأت تتساءل الآن إن كان هنالك أي بلد سيلتزم بتلك القيم الإنسانية العالمية المشتركة.
ويبيِّن مثل هذا التساؤل كيف أن العالم قد وصل إلى الاعتزاز بالوحدة النسبية حول الأفكار الأساسية - وهو الأمر الذي كان في عداد المفقود إلى حد كبير منذ 70 عاما وحتى نهاية الحرب الباردة. وعلى سبيل المثال، بعد فترة وجيزة من انتخاب ترامب، هرع العديد من قادة العالم إلى التحدث معه على أمل أن يوضح إن كان هناك تغيير في وجهات نظره.
ومن بين أولئك القادة، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي وضعت شروطا للتعاون مع الولايات المتحدة، حيث قالت "ألمانيا وأميركا مرتبطتان بقيم الديمقراطية والحرية واحترام القانون وكرامة الإنسان. لهذا، فإنني أطلب من الرئيس الأميركي المقبل التعاون الوثيق معا على أساس هذه القيم".
وشاركت ميركل الرئيس باراك أوباما في كتابة مقال نشرته مجلة "Wirtschafts Woche"، الألمانية الإخبارية قائلة: يتعيَّن على الألمان والأميركيين اغتنام الفرصة لصياغة العولمة وفقا لقيمهم وأفكارهم. نحن مدينون لأعمالنا ومواطنينا – بل وللمجتمع العالمي بأسره - بتوسيع وتعميق تعاوننا لمصلحتنا المشتركة جميعا". وفي كلمة ألقتها هذا الأسبوع أمام البرلمان الألماني، طلبت أنجيلا ميركل من بلادها الالتزام بالتعددية والأمن والحرية، و"تشكيل العولمة جنبا إلى جنب مع الآخرين".
وتُعد تصريحات ميركل علامة واضحة على الرغبة في توسيع نطاق القيم العالمية، وربما إمكانية أن تأخذ ألمانيا قدرا أكبر من مسؤولية قيادة العالم - على الأقل في الدبلوماسية إن لم تكن في القوة العسكرية، خاصة أن ميركل أظهرت في السنوات الأخيرة، قيادة قوية داخل أوروبا خلال الأزمات المتعلقة بديون اليونان، والعدوان الروسي في أوكرانيا، والتدفق الجماعي للمهاجرين.
قد يكون الضغط من ألمانيا ودول أخرى للحفاظ على انخراط قوي من الولايات المتحدة مع العالم فاعلا، مع ملاحظة أن ترامب عدَّل عددا قليلا من عبارات سياسته الخارجية، مثل استخدام التعذيب، وفرض حظر على جميع المهاجرين المسلمين، ورفض اتفاقات تغيُّر المُناخ. وكذلك بتعيينه اثنين في منصبين رئيسيين - الجنرال مايكل فلين مستشارا للأمن القومي، وحاكم ولاية ساوث كارولينا نيكي هالي سفيرا لدى الأمم المتحدة – يكون ترامب قد اختار الشخصيات التي تتكلم عن الولايات المتحدة باعتبارها محور النظام العالمي.
وبحلول الوقت الذي يصبح فيه ترامب رئيسا وقائدا للقوات الأميركية سيدرك مثل من سبقوه أنه قد ورث تقاليد يتوقع العالم منه الالتزام بمعاييرها وقيمها العالية التي وضعتها الولايات المتحدة، وعليها أن تحميها جنبا إلى جنب مع الآخرين. إن مسؤولية الرئاسة قد تكون أكبر من الشخص الذي يكون في المكتب البيضاوي، وكذلك مسؤولية القيم الأميركية المرتبطة بالعالم.
*نقلا عن الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة