أتمنى قبل أن يحضر الرئيس المنتخب دونالد ترامب بجرافاته كي «يردم المستنقع في واشنطن» أن يفكر في الإنجازات المهنية لشخصين لطالما جسدا تقاليد إدارة السياسة الخارجية للبلاد، من خلال الحزبين الديمقراطي والجمهوري
أتمنى قبل أن يحضر الرئيس المنتخب دونالد ترامب بجرافاته كي «يردم المستنقع في واشنطن» أن يفكر في الإنجازات المهنية لشخصين لطالما جسدا تقاليد إدارة السياسة الخارجية للبلاد، من خلال الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهما زبغنيو بريجينسكي وبرنت سكوكروفت.
جاء مستشارا الأمن القومي من عالمين مختلفين بدرجة كبيرة ليشاركا في صياغة تقاليد السياسة الخارجية التي بدا ترامب مستعدًا لتدميرها. وصل بريجينسكي، الذي بلغ الآن 88 عامًا، إلى البلاد كلاجئ بولندي وبعد سنوات انضم لفريق الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، فيما عمل سكوكروفت، الذي نشأ بولاية يوتا وبلغ الآن 91 عامًا، ضابطا بالجيش الأميركي قبل أن ينضم لإدارتي الرئيسين الجمهوريين جيرارد فورد وجورج بوش الأب.
الاثنان كانا من صقور الحرب الباردة الذين كرمهم وزير الدفاع أشتون كارتر مؤخرًا بمنحهم وسام الخدمة العامة الذي يعد أرفع الأوسمة التي تمنح للمدنيين. لكن الاثنين كانا من أشد المنتقدين الصريحين للغزو الأميركي للعراق عام 2003. لكن ليس على طريقة المعارضة الكتومة التي اتبعها ترامب.
اشترك الاثنان في رؤية تميل إلى انفتاح الولايات المتحدة على العالم الخارجي، وهي الرؤية التي جعلتها تقود شبكة من التحالفات الأمنية الدولية والشراكات التجارية. ووُصف هذا النظام، الذي استند إلى حزب شمال الأطلسي والتحالفات مع اليابان وكوريا لجنوبية، غالبا بأنه «نظام ليبرالي عالمي».
ومع انتخاب ترامب، بدأ هذا الهيكل العالمي في التداعي، فترامب تنقصه الخبرة للدرجة التي تجعل من الصعب مجرد التنبؤ بوجهة سياسته الخارجية. غير أن الكثير من مؤيديه يعيشون ثورة مفتوحة ضد ما يعتبرونه خطر العولمة.
على ترامب أن يفكر بروية فيما يجب أن ينحيه جانبًا، فهكذا بنية القوة الأميركية الدائمة.
فأيا كانت فداحة الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة على مدار المائة وخمسين عامًا الماضية، ما زال الناس ترى بلادنا أقصى طموحها ولا شيء سواها.
فعلى المستوى الاقتصادي، من المستحيل تحاشي «العولمة» التي يعارضها أنصار ترامب، فمؤسسات اليوم والأسواق المالية باتت مرتبطة بشكل متواصل ومتكامل، لكن على المستوى السياسي، فإن النظام العالمي متدهور بالفعل، وهو ما يجب أن يكون سببا لقلق ترامب، لا لإسعاده. فمع ضعف النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، سيعمل المستفيدون على رفع الصين وروسيا المشاكسة.
تلك الأمور تحديدًا هي ما أريد من ترامب أن يسمعها من بريجينسكي وسكوكروفت ليدرك حالة الإجماع الشعبي على السياسات الخارجية التي كانا يمثلانها يوما. تحدثت معهما الأسبوع الجاري عن ترامب، وكذلك تحدث سكوكروفت خلال حفل الغداء الذي أقامته على شرفه «مجموعة أسبن الاستراتيجية»، وهي منظمة حزبية تعنى بالسياسة الخارجية. وبنبرة ضعيفة خرجت بصعوبة لتعطي درس العمر لكل من يعمل في العمل العام، ناشد سكوكروفت أعضاء المجموعة أن ينحوا جميع شكوكهم جانبًا ويضعوا الوطن فقط صوب أعينهم. فبحسب سكوكروفت: «إن طلب منكم خدمة بلادكم، أرجوكم افعلوا. فهذا الرجل في أشد الحاجة إلى مساعدتكم».
كذلك أقيم حفل لتكريم بريجينسكي في البنتاغون الأسبوع الماضي، حيث وصفه كارتر بـ«أحد أفضل المفكرين الاستراتيجيين وصناع السياسة في العصر الحالي».
وعند سؤال بريجينيسكي عن النصيحة التي يود أن يوجهها لترامب، قال بعد أن فكر قليلاً «لا أعتقد أبدًا أن الحشو في الكلام دلالة على القوة، إذ يجب أن يكون الحديث مقنعًا. عليك أن تكون أمينًا وصريحًا، لكن لا تتملق لأحد. فسوف تؤدي خدمة كبيرة للعالم لو أنك قلت للرئيس بوتين: لا تغامر، خاصة إن كنت تحمل سلاحًا محشوًا بالذخيرة».
فبسبب لهفته الزائدة لإثبات نيته في تحقيق تغيير واضح، أظهر ترامب ازدراء واضحًا لكافة مراكز القوى التقليدية، من علماء البيئة للاقتصاديين، ومن الدبلوماسيين لجنرالات الجيش. ونتيجة لذلك، من المؤكد أن بعض الأميركيين الذين استاءوا من مراكز القوى التقليدية تلك يستمتعون الآن برؤيتها تحترق أمامهم.
لكن على ترامب أن يكون حذرًا، فإن لم يكن بالغ الغباء فسوف يسعى لأن يصبح رئيسًا مثاليًا وناجحًا، فقد ورث الرجل شعبًا لا يزال يمثل القوة العظمى الوحيدة في العالم. واليوم وبعد أن اختار ترامب الجنرال المتقاعد المولع بالقتال والسياسي في آن مايكل فلين لشغل منصب مستشار الأمن القومي، الذي شغله في السابق سكوكروفت وبريجينسكي، فهل هذا هو الشخص المناسب لتحمل مسؤولية منظومة تحالفات استغرق بناؤها 70 عامًا؟ أم هو الشخص الذي سيضعفها؟ هذا هو السؤال المفترض أن يوجه لفلين وترامب.
* نقلاً عن «الشرق الأوسط »
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة