لنبدأ بالسؤال الأهم حول علاقة أمريكا بالمملكة العربية السعودية.
ولماذا يحشر بايدن تقريراً للاستخبارات الأمريكية تم رفع السرية عنه بمجرد استلام بايدن للسلطة، وخلال الـ100 يوم الأولى من فترته، محاولاً تفجير قنبلة في الفضاء الإعلامي العالمي عبر الدوران حول دولة مثل السعودية؟ أمريكا الدولة بمكانتها السياسية تعرف بوضوح من هي السعودية وبايدن صاحب الخبرة الطويلة يدرك من هي السعودية، فلماذا يختم آخر أربع سنوات من عمره السياسي محاولاً تحقيق إنجاز على حساب تقرير هو فعلياً قد انتهى أثره؟! فالقضية برمتها ليست محل نقاش بالنسبة للسعودية بعدما صدرت الأحكام وسجل القضاء السعودي كلمته بكل شفافية ونزاهة.
الزوبعة السياسية خلف هذا التقرير لم تكن البحث عن حقائق جديدة، فلغة التقرير فضفاضة تريد أن تحصل على حقائق ظنية من أجل إدانة القيادة السعودية، وهنا من الواجب التذكير بأن القيادة السعودية قد سبقت تلك الحقائق عبر تفعيل آليات عمل الدول ومسؤوليها عندما تحدث مثل هذه الحوادث، ففي لقاء لسمو ولي العهد مع قناة CBS الأمريكية في عام 2019م، قال سمو ولي العهد "إنه يتحمل المسؤولية كقائد للمملكة العربية السعودية"، هذا يكفي، خاصة أن شفافية القضاء السعودي كانت أكثر وضوحاً من أي تكهنات، وتم القبض على مرتكبي الجريمة وتمت محاسبتهم وصدرت بحقهم الأحكام التي تتناسب مع حيثيات الجريمة، ليبقى السؤال إذن إلى أي اتجاه يقاد هذا الضجيج؟
لنبدأ بالفكرة الرئيسية التي رددها الرئيس بايدن عندما قال إنه أوضح للقيادة السعودية أن القواعد تغيرت، هنا يبدو المفتاح السري لهذا الضجيج، ما هي القواعد التي يريد الرئيس بايدن تغييرها عبر استثمار نتائج تقرير استخباراتي غير مؤكد حتى في نصه الرسمي الصادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية، خاصة أن مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية – أفريل هاينز، قالت، في لقاء مع شبكة NPR، إن تقرير الاستخبارات قد يعقد العلاقات الأمريكية السعودية.
هناك إشارة واضحة تجعل من السهل الاعتقاد أن الرئيس بايدن يشعر بحصار قريب نتيجة التوسع والتأثير الذي حققته ظاهرة الترامبية، التي استندت إلى مسارات مختلفة في قيادة أمريكا، ولو قدّر لترامب أن حكم فترة ثانية لتحررت أمريكا من الكثير من عقبات إدارتها للعالم، كما أن الرئيس بايدن يشعر بتحدٍّ كبير أمام الإنجازات التي حققها سلفه الرئيس ترامب على المستويين الداخلي والخارجي.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، لن يكون من السهل لأمريكا الدولة المساس بعلاقاتها مع السعودية التي تعد إحدى أهم ركائز الاستقرار في منطقة مهمة في العالم، وركيزة أساسية في المجال الإسلامي، حيث تنفرد السعودية بقيادة ما يقارب نحو مليار ونصف المليار من سكان الأرض، هذه السمات مدعومة بنظام سياسي مستقر تاريخياً له تأثيرات كبرى على معظم دول العالم ومكانة اقتصادية لديها القدرة على التأثير في مسار الاقتصاد العالمي.
إذن نستطيع أن نستنتج أن السعودية لا يمكنها أن تقع في محيط التأثير للرئيس بايدن بالطريقة التي يتناول بها الإعلام الضجيج حول هذا التقرير الذي منحه الإعلام الأمريكي المؤيد صفة "رفع السرية"، من أجل إضفاء هالة إعلامية، ولكن بمجرد ظهور التقرير لم تكن هناك عبارة واحدة يمكن البناء عليها للتنبؤ بنتائج مهمة لهذا التقرير.
قواعد العلاقة السعودية الأمريكية لن تتغير كما يتم تداوله، وعلاقة البلدين التي انطلقت منذ منتصف القرن الماضي تعلم منها الاثنان أنه دائماً يمكنهما تجنب الاختلاف وحل النزاعات، كما أن الرسالة الأخرى التي لا بد من فهمها لأولئك المزايدين على تأثيرات هذا التقرير هذه المقولة الخالدة "إن أولئك الذين لا يتعلمون من التاريخ سيحكم عليهم بتكراره إلى الأبد".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة