كانت وما زالت السيادة عنوان استقلال الدول وقوتها، فهي التي تعطي لأي بلدٍ كيانه الأممي بين دول العالم.
بالإضافة إلى كيانه الوجودي في نفوس مواطنيه، ولكن للأسف فإنّ السيادة قد انتهكت في كثيرٍ من البلدان العربية في الآونة الأخيرة، لا سيما في العراق وسوريا وليبيا، الأمر الذي حوّلَ بلداً مثل العراق إلى مجردِ حديقةٍ خلفيّةٍ يتنازع عليها مرشدا الخراب في المنطقة.
فإيران التي دخلت العراق عقب الاحتلال الأمريكي تحت عباءة الولاء الطائفي حتى تغلغلت في كل مفاصل القيادة والسيادة العراقية؛ بدءاً من الشارع العاطفي المتديّن البسيط وانتهاءً بالطبقة السياسية التي اشترتها إيران بالمال والسلاح لقضم أي معلمٍ من معالم الدولة العراقية التي توحي بالكيان الوطني المستقل أو الهوية القومية التي تضع العراق في مساره الإقليمي والعالمي السليم بفرض مشروع المرشد في طهران.
وفي المقابل وفي ظل التنافس على المنطقة من قبل مشروعين فاسدين يحاولان خلقَ التوازن فيما بينهما بالنفاذ والتغلغل في المنطقة، فإن مشروع المرشد الإخواني بقيادة تركيا رجب طيب أردوغان استغل الضعف الذي ينهش ببلدٍ مثل العراق جراء الحروب والصراعات السياسية الداخلية والهجمات الإرهابية، لا سيما بعد خروج القوات الأمريكية من العراق قبل أشهرٍ استغلالاً لمبدأ "لن نترك الساحة لإيران وحيدةً"، فباتت تركيا تتذرع بالشماعة ذاتها التي تذرعت بها إيران من قبل، وذلك بحجة أمن الحدود والقضاء على الإرهاب، فنفذت تركيا العديد من الهجمات والغارات داخل الأراضي العراقية بزعم أنها تطارد فلول الإرهابيين من حزب العمال الكردستاني، مستندةً كذلك إلى إرثٍ لها من حرب تنظيم داعش منذ أعوامٍ ودخولها بذريعة حماية الأقليات التركمانية.
كل تلك الطموحات والسياسات القذرة تفضحها حرب السفراء التي اندلعت منذ أيام بين السفير الإيراني في العراق الذي رد على سؤال في معرض مقابلة صحفية واصفاً عزم تركيا الدخول إلى سنجار وتنفيذ عمليات عسكرية بأنه خرقٌ للسيادة العراقية، وإيران ترفضه وتدينه، ليأتيه الردّ عاجلاً من السفير التركي في العراق عبر الشبكات الإعلامية بأنّ إيران آخر من يحق له الكلام عن انتهاك سيادة العراق أو أن يعلم تركيا مبادئ احترام سيادة الدول، لتشتعل حرب السفراء بين البلدين، سواء بين السفيرين في بغداد أو باستدعاء سفيري البلدين وإدانة كل طرف للآخر في أنقرة وطهران.
المفجع في الأمر أنّ كلاً من السفيرين يتحدث بلغة التهديد والحماسة عن سيادةِ بلدٍ هو ليس فيه إلا جسماً غريباً عنه، في حين كانَ من المنتظر أنْ يكونَ الصوت العراقي هو الأقوى بلجم هؤلاء، وإدانتهم بتدخلهم فيما يفترض أنه من المسلمات الوطنية والخطوط الحمراء التي لا يحق لأحدٍ أنْ يمسها، أو باتخاذ إجراءات من شأنها أنْ تحمّل هذين السفيرين وبلديهما مغبة مخالفتهما للأعراف الدبلوماسية بتصريحاتهما، فكلٌّ منهما يرى سيادة العراق تصان بكون له الحق في انتهاكها متى أراد، لتتحول أرض العراق إلى ساحة حربٍ للسفراء، وهو ما قد يجرها إلى أنْ تكون ساحة حربٍ حقيقية بين المشروعين الإيراني والتركي على حساب العراق وطناً وشعباً، ما لم ينتفض العراقيون دفاعاً عن العراق سيادةً وشعباً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة