إحدى المصائب التي عانت منها الدول العربية خلال فترة رئاسة باراك أوباما هي التدخل في شؤون الحكم للدول العربية والمساس بالرموز السياسية.
والتجاوز على ثقافته السياسية في احترام قادته، وكانت سبباً رئيسياً في إثارة الشعوب على تلك الإدارة وما زال غضبها إلى اليوم تجده بمجرد أن يذكر ذلك العهد.
والمصيبة الكبرى أن هناك اليوم إشارات غير مكتملة الأبعاد أن الإدارة الحالية تعيد الخطأ نفسه من خلال التقرير الذي أعده جهاز المخابرات الأمريكية "سي أي إيه"حول جريمة مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي والادعاء بأن العملية تمت بموافقة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، دون الاستناد إلى أي معلومات، وهو ما لا يتوافق مع أي اتهام يمكن توجيهه لأي إنسان في العالم.
كخليجيين وعرب ليس لدينا أي مشكلة أو عقدة في أن تلعب أي دولة كانت إقليمية أو عظمى أدواراً على الساحة الدولية، فهذا أحد أساسيات النظام الدولي وطبيعته على مر التاريخ، لكنّ لدينا تحفظاً ونرفض تدخل أي نظام أو إدارة سياسية تعتقد أن مكانتها الدولية أو قوتها العسكرية أو المالية تعطيها مجالاً لاستنتاجات أو تخيلات لا أساس لها على أرض الواقع باعتباره مبرراً يسمح لها بالمساس بقادتنا، هكذا طبيعتنا.
وكما هو معروف، فإن طبيعة العلاقات الدولية بغض النظر عن حجم الدولة وتأثيرها السياسي محكومة بالقوانين والأعراف الدولية القائمة على احترام مؤسسات الدولة، فقضية جمال خاشقجي صاحب الكلمة النهائية فيها هو القضاء السعودي، وإلا سيتحول الأمر إلى مزاجات الآخرين؛ إدارات أو رؤساء، وهو ما فعلته إدارة أوباما خلاله فترته التي شهدت الكثير من التوتر والقلق، وبالتالي كان من الأجدى من بايدن أن يأخذ العبر منها.
محتوى التقرير ليست له علاقة بقضية مقتل خاشقجي ولا حتى بحقوق الإنسان؛ لأن هناك الكثير ما يدين أمريكا نفسها، وبالتالي الأولى أن تعالج ملفها أولاً، لكن الأمر متعلق بوجود أشخاص في الإدارة لهم أجنداتهم السياسية لا علاقة لها بالقوانين، كما أن الهدف من التقرير غير واضح وما يتم تداوله هو قراءات واجتهادات المراقبين لمحاولة فهم توجهات إدارة الرئيس جو بايدن الخارجية، خاصة مع حلفائها الاستراتيجيين وشركائها في محاربة الإرهاب والتطرف في المنطقة وبشكل أدق المملكة العربية السعودية التي تربطها علاقة تمتد لأكثر من 7 عقود سوى أن هناك أجندات معينة لم تستكمل في عهد أوباما، وتريد الإدارة الحالية أن تعيدنا إليها حينها كان بايدن نائباً للرئيس.
باختصار، بدلاً من تأكيد مخاوف الخليجيين والعرب من عودة سياسة أوباما إلى المنطقة يكون من المناسب احترام الثقافة الاجتماعية والإرث السياسي العربي والخليجي اللذين لا يقبلان المساس بالرموز السياسية والدينية. ولعل الدبلوماسيين البريطانيين الذين عاشوا في هذه المنطقة خلال فترة المقيم السياسي وفترة الانتداب البريطاني يدركون سيكولوجية إنسان هذه الأرض، لذا أعتقد أنهم لم يستغربوا ردة الفعل الخليجية الرسمية والشعبية تجاه التقرير الأمريكي.
ما يعنيه التقرير أن موقف الإدارة الأمريكية الحالية أنها تقف ضد تطلعات الشعب السعودي والخليجي في تحقيق الإصلاح المجتمعي واستقراره، ويعني كذلك أنه يعمل على إرضاء ضمائر مَن يعملون على تهديد استقرارنا من تنظيمات ودول لها أهدافها، وبالتالي لن نقبل به، وبالتالي على الإدارة الأمريكية عدم تجاهل ردة الفعل الخليجية كي لا تجد نفسها أمام وضع لا يختلف كثيراً عما كان عليه خلال السنوات الأخيرة من عهد أوباما، حيث كانت العلاقات الخليجية الأمريكية في أدنى مستوى لها، ودفعت بعدد من الدول العربية إلى التقارب مع الصين وروسيا، بعد أن تسببت مغامرات أوباما ومعه بايدن في زعزعة ثقة كل حلفائه، وهو أمر غير معقول نسبة إلى ما يربط هذه الدول بأمريكا.
التفسير الأقرب إلى الواقع لنشر هذا التقرير، الغامض، أن إدارة الرئيس بايدن تعمل على قاعدة: إذا كانت لديك مشكلة وعجزت عن حلها فقم بتعقيدها أو اعمل على غير اتجاهها. فهي (إدارة بايدن) بدلاً من أن تتجه صوب النظام الإيراني الذي يتسبب في كل أزمات المنطقة وكان الجميع ينتظر منه وضع حد لطموحات إيران ومشروعاتها التخريبية، فإنها تثير قلقاً وخشية من إمكانية العمل على انهيار كل قواعد السلوك الدولي والأعراف السياسية، وكأنه استكمال لما بدأه سلفه أوباما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة