لم تكن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض موفقة.
حين قررت التحدث عن السعودية بهذه الطريقة السطحية غير الواقعية في المفهوم السياسي والاستراتيجي، بحسب عدد من المراقبين للشأن السياسي الأمريكي الخارجي.
ومرد هذا الموقف مسألة نبش الماضي تحت شعار حقوق الإنسان وقضية مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، لا سيما أن الاستخبارات الأمريكية أرسلت إلى الكونجرس بغرفتيه تقريرها الشهير حول ملابسات ما جرى، وتضمن ذلك التقرير عبارات ظنية وسردية تحليلية، لا تعتمد على الحد الأدنى من الحقائق أو الأدلة الدامغة.
فالقضاء السعودي المختص قال كلمته الفصل حول ظروف اغتيال خاشقجي، وأنزل أشد العقوبات بمرتكبي هذا العمل غير المقبول قانونياً وأخلاقياً، والقيادة السعودية كانت حريصة كل الحرص على عدم تسيس هذا الملف، وإحقاق الحق بعيداً عن التدخل بشؤون دولة ذات سيادة، أو أحكام قضاء مستقل لديه معاييره المثبتة والواضحة.
لكن الجديد المفيد فيما جرى هو طبيعة صراع الأجنحة الحزبية داخل الإدارة الأمريكية الحالية، وفقاً لما أوردته صحف أمريكية مطلعة ووسائل إعلام معروفة بصلتها بالبيت الأبيض، كون الانقسام المجتمعي داخل الولايات المتحدة بعيد انتخابات رئاسية مختلفة في شكلها ومضمونها، لا يزال يلقي بظلاله على خطوات العهد الجديد بقيادة بايدن.
فجناح الرئيس الأسبق باراك أوباما داخل فريق بايدن، يعتبر نفسه في حالة عداء مع السعودية، نتيجة دبلوماسيتها التي نجحت في إقناع الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي المشؤوم، والمضر بمصالح أمريكا نفسها وحلفائها في المنطقة.
والفكرة التي تقوم على أساسها أدوات ما بات يعرف بـ"الأوبامية السياسية" داخل الحزب الديمقراطي الحاكم في واشنطن، مفادها تقبل النظام الإيراني بشكلها الحالي، وغض الطرف عن إرهابه الموثق وإرهاب مليشياته العابرة للحدود، سواء في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
والحديث الذي لا ينتهي عن عودة أمريكية مرتقبة إلى الاتفاق النووي القديم، يواجهه حزم سعودي وخليجي عربي، يدعم مسار التفاوض مع إيران حول كل شيء، وعدم طي ملفات تدخلها في شؤون الدول العربية في الوقت الراهن، بل الذهاب نحو خيارات أكثر أمناً واستقراراً للمنطقة، تتمثل في إشراك دول الخليج العربي في ذلك، وهذا ما أكده أيضا رئيس فرنسا ماكرون قبل مدة.
وهناك من يرى أن حملة الضغوطات الفاشلة على السعودية ستنتج في المحصلة سيناريو أمريكياً غير مرغوب فيه، ألا وهو استعداء الحلفاء واسترضاء الأعداء، فالرياض كما دول الخليج العربي تربطها بأمريكا تحالفات مهمة للغاية، والشراكة السعودية مع الولايات المتحدة تمتد لعقود طويلة من الزمن، وقد أسفرت عن مكافحة جدية للإرهاب، وخلق مناخ من الحوار الدائم بين أمريكا والعالم الإسلامي.
بل لا تستحق السعودية في هذا التوقيت بالذات تسليط الضوء من قبل مؤسسات أمريكية على قضية فرد، وهي الدولة التي تتصدى كل يوم لهجمات إرهابية حوثية، تستهدف الأعيان المدنية في بلد الحرمين الشريفين، وترسل الجماعة الإرهابية من خلال هذه العمليات المدانة رسالة سلبية للعالم أجمع، خلاصتها أن جنرالات الحرس الثوري هم من يسيطرون على صنعاء المحتلة.
ومن حق الرئيس بايدن التحدث عن قيم أمريكا الديمقراطية، ولكن لماذا لم تتسع هذه القيم حتى اللحظة لمحاسبة حزب الله على قتل لقمان سليم قبل فترة قصيرة على سبيل المثال، أو متابعة اغتيال مليشيا إيرانية هشام الهاشمي في العراق، فضلاً عن ذبح آلاف السوريين على يد جماعات مسلحة توالي إيران، ناهيك عن تعطيلها الحل السياسي في هذا البلد بشهادة المسؤولين الدوليين والأمريكيين كذلك؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة