طرح تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية حول مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الذي رفعت واشنطن السرية عنه ونشرته الأسبوع الماضي.
كثيراً من الجدل والتساؤلات بشأن مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية في ظل إدارة بايدن، خاصة بعد قول الأخير إن "القواعد تتغير".
ومع الاعتراف بداية بأن العلاقات بين البلدين لن تكون بنفس مستوى القوة الذي كانت عليه في عهد إدارة دونالد ترامب السابقة، فإنها لن تتوتر أو تدخل في دائرة التأزيم، كما تأمل بعض القوى المتربصة بالمملكة؛ لأن المصالح المشتركة الكبيرة والمتشعبة بين الرياض وواشنطن أكبر بكثير من قضية خاشقجي.
يدرك صانعو القرار في واشنطن جيداً مكانة المملكة العربية السعودية ودورها الحيوي في تعزيز الأمن والاستقرار، إقليمياً ودولياً، ولن يخاطروا أبداً بالقيام بأي سلوكيات أو مواقف تضر بهذه العلاقات التاريخية التي تخدم المصالح الأمريكية مثلما تخدم المصالح السعودية، فعلى المستوى الأمني يعلم الأمريكيون جيداً أن التعاون الأمني والاستخباراتي مع الرياض أسهم في إفشال عشرات العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف الأراضي الأمريكية بشكل استباقي، ويدركون أن المملكة هي عنصر أساسي لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط كلها، ورأس الحربة في التصدي للقوى الراديكالية والتخريبية، كما يدركون أن زيادة حدة التوتر يمكن أن تدفع الرياض إلى البحث عن حلفاء آخرين بما في ذلك القوى المنافسة لواشنطن كروسيا والصين أو حتى التقارب معها، الأمر الذي سيعزز من نفوذ هذه القوى على حساب المصالح الأمريكية في المنطقة.
وعلى المستوى الاقتصادي، تتصدر الرياض قائمة شركاء واشنطن التجاريين في الشرق الأوسط بحجم تبادل تجاري وصل إلى 48 مليار دولار في عام 2019، فيما قدرت الاستثمارات السعودية في السوق الأمريكية بما يتراوح بين 500 و700 مليار دولار، كما تعد المملكة أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتضرر العلاقات بين البلدين لن يخدم الاقتصاد الأمريكي الذي تسعى كل إدارة أمريكية لتقويته لضمان مستوى أكبر من التشغيل والنمو الاقتصادي، أضف إلى ذلك دور الرياض المحوري والحاسم في ضمان استقرار أسواق النفط العالمية بصفتها أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، ومكانتها الدينية والروحية في العالم الإسلامي باعتبار أنها تمثل قبلة المسلمين في العالم كله.
ولا شك أن هذا الإدراك الأمريكي لأهمية المملكة العربية السعودية ومكانتها ودورها في حفظ الأمن الإقليمي والعالمي هو الذي حال دون وصول التوتر بين البلدين إلى مستوى يضر بعلاقاتهما التحالفية الوثيقة، كما حدث في السابق في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي تورط فيها 15 سعودياً، ودفع كثيراً من الدوائر الأمريكية للمطالبة بمراجعة العلاقات مع الرياض، قبل أن تثبت الأخيرة أنها شريك فاعل لواشنطن في مواجهة هذا الإرهاب، وتسترد علاقاتها التحالفية القوية مع واشنطن.
والأمر نفسه ينطبق على التوتر الحالي القائم بين البلدين على خلفية قضية خاشقجي، فبالرغم من الأبواق التي تنفخ في هذا التوتر لتأزيم العلاقات بين واشنطن والرياض والإضرار بعلاقاتهما التحالفية، فإن العلاقات بين البلدين ستثبت مرة أخرى أنها أقوى من هذه الأزمات العابرة، ويدعم من تأكيد الأمريكيين أنفسهم حرصهم على عدم الإضرار بهذه العلاقات التحالفية، الذي تجسد في عدم اتخاذ أي إجراءات تخص ولي العهد السعودي وتأكيد وزير الخارجية الأمريكية أن إدارة بايدن تتطلع إلى إعادة تقييم العلاقة الأمريكية السعودية وليس إلى تمزيقها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة