بعد عشرة أعوام على الثورة التي أطاحت بحكم القذافي، لا تزال ليبيا غارقة في فوضى سياسية وأمنية.
تفاقمها التدخلات الخارجية، وحرمان الليبيين المنهكين من ثروات بلادهم الهائلة، وهي تعاني من تحكم المليشيات والمرتزقة وانتشار الفساد وبنى تحتية مدمرة، لكن بعد هذه السنوات من الحروب والأزمات، تحقّق في الأيام الماضية تقدم سياسي ملموس ومقبول تمثل في تعهد بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 24 ديسمبر، وحوار ليبي في سويسرا والمغرب وتونس ومصر، أثمر اختيار رئيس حكومة ومجلس رئاسي جديد، وترافق مع انتعاش إنتاج قطاع النفط الحيوي للاقتصاد الليبي.
يرى متشائمون "أن الحكومة الجديدة لن تختلف كثيراً عن حكومة الوفاق، فمعظم أعضائها مدعومون من تركيا، ومحسوبون على تيارها الأيديولوجي"، ما يعني أن الوضع في ليبيا سيستمر كما هو عليه في ظل نوايا وطموحات تركيا الاستعمارية، والشكوك حول احتمالات تخليها عن هذه الطموحات بعدما بذلت الكثير من أجل الاحتلال، وقد تحدث عقيلة صالح عن ذلك، وذكر "أن بعض الأطراف الإقليمية قد تكون ضغطت على ملتقى الحوار؛ لاختيار بعض المرشحين"، كما أن المبعوث الأممي إلى ليبيا السلوفاكي يان كوبيش قال "إن هناك قوى تستفيد من تجزئة البلاد وانقسامها، وتريد الإبقاء على الوضع الراهن"،
بينما يرى مراقبون أن اختيار الحكومة الجديدة في ليبيا أتى بعد أن تم التوصل إلى تفاهمات مطولة من خلال عملية الحوارات الداخلية، لهذا نجدها تلقى ترحيباً إقليمياً وعربياً ودولياً، وتعد تطوراً إيجابياً مهماً؛ لأن ذلك يسهم في إرساء الاستقرار وتعزيز الحوار لأبناء الشعب الليبي، كما يرى البعض أن عبدالحميد الدبيبة رجل الأعمال الليبي ورئيس الحكومة الليبية المنتخب يملك روح الشباب، ويملك رؤى تحمل الكثير من الانفتاح على المستقبل، كما أنه من كبار الأثرياء في البلاد، ما يجعله في غنى عما اعتاد عليه سابقوه من نهب المال العام وإهدار ثروة البلاد، ما قد يدفع به إلى التسريع في تحقيق المصالحة الشاملة، وطي صفحة الماضي الأليم، كما أن انتماءه إلى مدينة مصراتة يساعده في إقناع مليشياتها وقادتها الجهويين بتجاوز الصراع والانفتاح على البقية، ليس ذلك فقط، بل يُعَد رجل دولة له خبراته الإدارية التي تعود إلى تقلده مناصب عدة في مجال الأعمال أهمها: رئاسة مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار.
لا شك أن ليبيا في حاجة إلى حكومة وطنية، ووزراء أزمة مؤثرين، لا سيما أنها أصبحت ميداناً مفتوحاً لأطماع القوى الأجنبيّة ومهددة بالتقسيم، خصوصاً في الوزارات السيادية مثل: العدل والأمن العام والدفاع والمالية والاستثمارات والخارجية والصحة والتعليم، وبحاجة إلى دعم وشراكات إقليمية ودولية تمنع تكرار ما حدث بعد اتفاق الصخيرات؛ لضمان عبور آمن هذه المرة، بوضع خارطة طريق تفرض الاستقرار، وتطرد المرتزقة، وتوقف نفوذ تركيا المتنامي في البلاد باتخاذها الاتفاقيات المبرمة مع حكومة الوفاق سيفاً مسلطاً وذريعة لعقد تفاهمات جديدة مع المليشيات، تمهيداً لإيجاد معادلات جديدة لضم المرتزقة بالمنظومة الأمنية، مقابل تقديم امتيازات إضافية للمليشيات وزعمائها؛ لتبدأ خطة جديدة تمكنها من استمرار بسط نفوذها في ليبيا.
رغم أن مهمة الدبيبة تبدو صعبة بالنظر إلى المناخ العام في البلاد التي ما زالت تتحكم فيها خارطة موازين قوى متشابكة، وتوازنات سياسية مُتداخلة، فإن الآمال والتفاؤلات اليوم في ليبيا تتزايد، والكل يأمل في السلام ونجاح حكومة الوحدة الوطنية؛ للخروج بالبلاد من أزمتها بعد سنوات من الانقسام؛ لأن طلائع البشرى للنهضة الشاملة لاحت، وما يُبشر بالتصحيح الليبي لقاء رئيس الحكومة الليبية الجديد مع الرئيس المصري، الأمر الذي قدم رسالة قوية مفادها طي صفحة الماضي والدخول في شراكة فعلية، وتأكيده على إقامة شراكة شاملة مع مصر بهدف استنساخ نماذج ناجحة من تجربتها التنموية الملهمة، فمصر تثبت دائماً أنها "أم الدنيا" و"دولة عظيمة"، حيثُ إنها دائماً تفضل الحل السلمي والاستقرار في ليبيا.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تؤتي تحركات الحكومة الجديدة أكلها في حال أقرت من مجلس النواب المنقسم؟ وهل تعمل على توحيد صفوف الليبيين وتنقلهم إلى بر الأمان؟ هذا ما سنراه وننتظره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة