إن سياسة أذرع الأخطبوط هي الملمح السائد في إدارة الأزمات، هكذا علمتنا التجارب مع إيران.
وبالتالي حتى لو كان للأخطبوط رأس فلا يمكن لأحد أن يضمن عدم تحريك ذراعه، لأن طبيعة بقاء الأخطبوط متوقفة على استمرارية تحريكها.
من الصعوبة الحصول على ضمانات من الرأس بوقف حركة الذراع، أو منع رأس الأخطبوط من تعكير المياه في المنطقة. ذلك هو الفرق الكبير بين سياستين؛ سياسة "علي خامنئي" باعتباره رأس الأخطبوط، وسياسة "جو بايدن".
جو بايدن، رغم خبرته السياسية التي تخطت الأربعين عاماً، ما زال يصر على أن التعامل مع رأس الأخطبوط يضمن وقف الأذرع، بالتالي تعلن إدارته دائماً أنها جاهزة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران حول إعادة إحياء الملف الإيراني النووي، رغم أن "خامنئي" مؤخراً رفض المقترح الأوروبي بالجلوس مع واشنطن، بل جاء الرد الإيراني مفاجئاً للجميع، حيث أكدوا أن الأمر ليس بحاجة إلى نقاشات فقط المطلوب تنفيذ الاتفاقات التي وقعت في 2015.
والأمر مرهون بأن يرفع الأمريكيون العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، ووقف سياسة الضغط الأقصى، وأن أي تصرف أمريكي تتم مقابلته بالمثل تماماً، قول بقول وفعل بفعل.
الفرق والتباين بين السياستين الأمريكية والإيرانية، تجلى تماماً بين بايدن القادم الجديد المحمل بإرث أوباما في منطقة الشرق الأوسط، الذي كان إرثاً كارثياً في إرباك المنطقة، لدرجة أن الكل ما زال يدفع ثمن سياسات أوباما، خصوصاً في تقوية المحور الإيراني على حساب بقية المحاور الأخرى المعتدلة، تجلى ذلك في إضعاف اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا.
الخوف الذي بدأ يعود من جديد ويفرض نفسه على ملف الشرق الأوسط أن "جو بايدن" يسير على نفس نهج "أوباما"، وهو محاولة تبريد الملفات التي تنتهي للأسف دائماً إلى سخونتها وإحراقها بأثر رجعي.
فالسياسة التي اتبعها سلفه ترامب وهي سياسة الضغط الأقصى أكثر ما أفادت في تجفيف تمويل الإرهاب عبر أذرع الأخطبوط الإيراني في المنطقة وهي "الحوثيون في اليمن، وحزب الله في لبنان، ومليشيات إيران في العراق".
اليوم لوحظ أن بايدن قد يعود إلى فتح صنبور التمويل الإيراني مرة أخرى للإرهاب في المنطقة.
لوحظ ذلك جلياً على لسان فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، أثناء زيارته الأخيرة لطهران، حيث قال "إن تقدماً أحرز في المحادثات بشأن أموال إيران المجمدة في العراق"، كان يقصد الستة مليارات دولار التي جمدت في العراق بسبب العقوبات الإيرانية.
علينا أن نتخيل الرقم ونقارن بالمليار وسبعمائة مليون دولار، التي أعفى أوباما عنها فور توقيع الاتفاق الإيراني النووي عام 2015، وكيف انعكس هذا المبلغ على المليشيات الموجودة في المنطقة، فقد تحولت تلك الأموال إلى رصاص وقنابل وموت.
لو فعلا تحقق كلام وزير الخارجية العراقي، وتم إعطاء ستة مليارات دولار لإيران فنحن أمام رشوة سياسية، يريد بايدن أن يقدمها لعلي خامنئي، من أجل العودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات وإحياء الملف الإيراني النووي.
بايدن يعلنها صراحة أن الشرق الأوسط بالنسبة له ليس مهماً، وأن الأهم هو الصراع الأمريكي مع الصين من جهة ومع الروس من جهة أخرى، بايدن مثل أوباما، كان يريد أن يضمن إيران معهم في صراعهم مع الصين، لكن التجربة أثبتت أن تخلي أوباما عن الشرق الأوسط جعل الأمريكيين هم أكبر الخاسرين، وربح الروس والإيرانيون والأتراك.
بايدن للأسف ما زال لا يريد أن يدرك أنه أصبح ردة فعل لتصرفات إيران في المنطقة، ولم يصل بعد لأن يكون فعلا مبادرا مثل ترامب.
الضربة الأخيرة التي نفذها الأمريكان ضد المليشيات الإيرانية على المنطقة الحدودية السورية العراقية وتحديداً كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، ما هي إلا ردة فعل للهجمات التي نفذتها مليشيات إيران ضد الجيش الأمريكي والتحالف في أربيل ونتج عنها إصابة جندي أمريكي وخمسة متعاقدين.
أعود مرة أخرى إلى الخلل الواضح في إدارة جو بايدن، حول الملف الإيراني وهو إصراره على التعامل اللين الضعيف، المرتبك، المهادن، مع علي خامنئي نفسه، رغم أن إيران تمر الآن في تلك المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بما يمكن أن نسميه صراع الجنرالات مع العمائم، أي سطوة الحرس الثوري الإيراني الذي استطاع قاسم سليماني، أن يجعل لهم الكلمة الفصل في كل شيء داخل إيران، وبين الملالي الذين تحولوا إلى فصيل منبوذ عند الشعب وعند السلطة.
وأصبح الهم الأكبر عند علي خامنئي توريث ابنه مجتبى خامنئي، للولاية بعده، وهذا طبعاً لا يقبله الحرس الثوري أو الجنرالات.
وبالتالي ما يعتقده بايدن أن خامنئي قادر على السيطرة على الذراع الإيرانية في لبنان والعراق واليمن وسوريا، هو مخطئ واهم لأن تلك المليشيات قرارها بيد الجنرالات وليس بيد "الملالي".
بايدن ما زال لا يريد إدراك أن خطر المليشيات الإيرانية ما عاد مقصوراً على دول وسكان المنطقة، بل تحول إلى تهديد حقيقي للجيش الأمريكي، خصوصاً في العراق.
وبالتالي أمريكا جزء من الصراع وجزء من الفريق الخاسر، وعليه إما أن يغير بايدن استراتيجيته وإما أن يتحمل نتيجة سياسته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة