الدول الأعضاء بصندوق النقد الدولي وافقت على الإبقاء على إجمالي موارد الإقراض لديه البالغة تريليون دولار
قال صندوق النقد الدولي، يوم الجمعة الماضي، إن الدول الأعضاء بالصندوق وافقت على الإبقاء على إجمالي موارد الإقراض لدى الصندوق البالغة تريليون دولار، وتأجيل أي تغييرات على هيكل المساهمين إلى أواخر عام 2023. وكما ذكرت وكالات الأنباء فإن هذا التحرك يعد اعترافا بأن المراجعة الحالية لنظام الحصص في صندوق النقد لن ينتج عنها تغييرات تمنح المزيد من النفوذ لاقتصادات ناشئة رئيسية مثل الصين والبرازيل بسبب معارضة من الولايات المتحدة.
كان من السهل نسبيا تنازل الولايات المتحدة تاريخيا عن جزء من حصتها من أجل توزيع أكثر اتساقا مع الوزن الاقتصادي للدول؛ لأنه لم يكن يخلّ بوضعيتها المتميزة داخل الصندوق باحتفاظها بحق الفيتو، أما الآن فهي مهددة بأن يفقدها أيُّ توزيع جديد للحصص مكانتها داخل الصندوق
وفي رد فعل الصين على هذا القرار قال محافظ بنك الشعب الصيني (بنك الصين المركزي) في بيان موجّه للجنة التوجيه بالصندوق: إن بكين تشعر بإحباط كبير لتقاعس الصندوق عن تنظيم هيكل المساهمين، للاعتراف بالتأثير المتزايد للصين والاقتصادات الأخرى التي تحقق نموا سريعا.
وكان وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين -في اجتماعات أبريل الماضي لصندوق النقد، وردا على دعوة البعض مثل ألمانيا إلى مراجعة حصص مساهمة الدول الأعضاء- صرح بأن الولايات المتحدة تعارض زيادة إجمالي التمويل وحصص المساهمين؛ حيث تعتبر أن الصندوق لديه حاليا موارد وفيرة لإنجاز مهمته.
ويرجع قرار الولايات المتحدة بعدم مراجعة الحصص إلى أن تحديد القوة التصويتية لكل دولة يتم بناء على حصتها النسبية من رأس مال الصندوق، ويحدد هذا بدوره بناء على صيغة تتضمن حجم الناتج المحلي الإجمالي، ودرجة الانفتاح الاقتصادي، ودرجة التغير الهيكلي في الاقتصاد، ومستوى الاحتياطيات النقدية التي تمتلكها كل دولة. وتزيد أهمية الحصص والقوة التصويتية مع الوضع في الاعتبار أنه في بعض القرارات المهمة مثل إقراض الدول الأعضاء أو حتى في قرار مراجعة الحصص ذاته، ينبغي تحقيق أغلبية تصل نسبتها إلى 85% من إجمالي الأصوات، ولذلك فالولايات المتحدة الأمريكية بحصة تبلغ أكثر من 17% لديها فعليا حق الاعتراض "الفيتو" على القرارات التي لا ترغب فيها.
وكان من السهل نسبيا تنازل الولايات المتحدة تاريخيا عن جزء من حصتها من أجل توزيع أكثر اتساقا مع الوزن الاقتصادي للدول؛ لأنه لم يكن يخل بوضعيتها المتميزة داخل الصندوق باحتفاظها بحق الفيتو، أما الآن فهي مهددة بأن يفقدها أيُّ توزيع جديد للحصص مكانتها داخل الصندوق. فقد انخفضت الحصة النسبية للولايات المتحدة إلى النصف تقريبا (من 33% عند إنشاء الصندوق في عام 1944 إلى نحو 17% حاليا) وهو ما يتوافق مع انخفاض الوزن النسبي لاقتصادها من أكثر من 50% من حجم الاقتصاد العالمي عند نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى نحو 24% من الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن. وحينما هدد توزيع الحصص مكانتها في لحظة سابقة تم إجراء تعديلات على كيفية اتخاذ القرارات داخل الصندوق؛ حيث تم رفع أغلبية الأصوات المطلوبة لإقرار القرارات الحاسمة أو الأكثر أهمية لتصل إلى 85% من جملة الأصوات بدلا من نحو 70% في السابق، وهو ما حافظ على مكانة الولايات المتحدة كدولة تحتكر قوة الفيتو داخل المؤسسة.
وكانت آخر قرارات تتعلق بالحصص تم اتخاذها في أكتوبر عام 2010، عند التئام شمل وزراء مالية مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية؛ حيث نص قرار وزراء مالية المجموعة على مضاعفة حصص البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي لتبلغ نحو 476.8 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (نحو 755.7 مليار دولار) بدلا من الحصص التي كانت تبلغ قيمتها آنذاك 238.4 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، مع حدوث زيادة في الحصص النسبية، ومن ثم في القوة التصويتية لصالح بلدان الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين. وقد تم هذا تحت ضغط الأزمة المالية العالمية؛ حيث كان الاقتصاد العالمي في حاجة إلى حجم تمويل ضخم للتغلب على الأزمة، ونتيجة هذا القرار انتقلت بلدان الأسواق الصاعدة الكبرى، خاصة دول مثل الصين والهند والبرازيل لتصبح بين البلدان العشرة صاحبة أكبر الحصص في صندوق النقد الدولي، ولتحتل الصين المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة واليابان. ووفقا للقرار تم نقل نحو 6% من الحصص إلى الاقتصادات الناشئة، وأتى نحو نصف تعديل الحصص من خفض حصص البلدان الصناعية المتقدمة خاصة الأوروبية. ولكن ورغم هذه التغيرات الكبيرة ظلت الحصص وبالتالي القوة التصويتية لا تنسجم مع المكانة الفعلية لبعض البلدان الأعضاء، خاصة بالنسبة لاقتصاد ضخم كالصين.
أضف إلى ما سبق أن تأجيل مراجعة الحصص حتى عام 2023 يتعارض مع ما هو متعارف عليه من مراجعة هذه الحصص كل خمسة أعوام، أي كان ينبغي أن تتم المراجعة التي تعد المراجعة الخامسة عشرة في عام 2015، ولكن الصندوق أرجأ النظر في هذه المراجعة إلى أن يتم نفاذ القرارات الخاصة بالمراجعة الرابعة عشرة، وهو ما لم يحدث سوى في بداية عام 2016؛ إذ تعمد الكونجرس الأمريكي تأخير مصادقته على المراجعة إلى 18 ديسمبر 2015، أي بتأخير يبلغ خمسة أعوام كاملة منذ تم الاتفاق على هذه المراجعة للحصص في صندوق النقد في ديسمبر 2010، ولتدخل المراجعة حيز النفاذ رسميا في 26 يناير 2016.
ووفقا للحسابات الأولية التي قام بها الصندوق، في وقت سابق، تمهيدا للاتفاق على المراجعة الخامسة عشرة، والتي تم تأجيلها الآن حتى عام 2023، فمن المتوقع انخفاض حصة الولايات المتحدة إلى نحو 14.7% بدلا من نحو 17.4% حاليا، كما من المنتظر ارتفاع حصة الصين إلى 12.8% بدلا من نحو 6.4% حاليا. ومن المؤكد أن هذه الحسابات ستختلف في غير صالح الولايات المتحدة مع تأجيل النظر في الحصص حتى عام 2023 إذا ما ظلت معدلات النمو الاقتصادي على وضعها الحالي، إذ ستكون حصة الصين أعلى بكثير مما تم تقديره سابقا. من المرجح إذاً أن تتضمن أي مراجعة جديدة للحصص، ومن ثم للقوة التصويتية داخل صندوق النقد انقلابا في المراكز النسبية، فالولايات المتحدة ستكون مهددة بقوة بسحب قوة الفيتو التي تتمتع بها منفردة حاليا، ومن هنا قد تلجأ إلى تأجيل دخول هذه المراجعة حيز النفاذ حال إقراراها في عام 2023 لعدة سنوات أخرى بتعمد الكونجرس الأمريكي عدم المصادقة عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة