"الأسبوع الذي قلب العالم" في 1972.. و"رسالة" في فستان زوجة رئيس
حدثٌ جيوسياسي غيّر مسار التاريخ عام 1972، حين قرر رئيس دولة زيارة ألد أعداء بلاده في الحرب الباردة.
الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون، الذي ألقى خطابا في 15 يوليو/تموز 1971، أعلن فيه بشكل غير متوقع، قبوله دعوة بكين لزيارة الصين.
إعلانٌ جعل من نيكسون أول رئيس أمريكي يزور جمهورية الصين الشعبية، التي كانت، إلى جانب الاتحاد السوفياتي، ألد أعداء الولايات المتحدة في الحرب الباردة.
وقال نيكسون في خطابه: "لقد اتخذت هذا الإجراء بسبب اقتناعي العميق بأن جميع الدول ستستفيد من خفض التوترات وإقامة علاقة أفضل بين الولايات المتحدة والصين".
وجاء ذلك الإعلان المفاجئ بعد أشهر من الدبلوماسية السرية للغاية بين البيت الأبيض في عهد نيكسون وبكين. حيث كان الرئيس الأمريكي الراحل يعلق آمالا كبيرة على أن رحلته إلى الصين ستكون بمثابة حدث جيوسياسي مزلزل يغير مسار التاريخ. بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في وسائل إعلام أمريكية.
يقول موقع "هيستوري" الأمريكي إن نيكسون "كان على حق في نواح عديدة"، وعلى حد تعبير أحد سفرائه كانت زيارته التي استغرقت ثمانية أيام في فبراير/شباط 1972 "الأسبوع الذي غير العالم" وغيرت بشكل كبير ميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفياتي.
زيارة أذابت عقودا من القطيعة
عندما تولى ريتشارد نيكسون منصبه عام 1969، كان ذلك بمثابة الذكرى العشرين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وعشرين عاما من العلاقات الدبلوماسية المجمدة بين البلدين.
ولعقود من الزمن، وقتها، لم يتحدث الجانبان، حيث كانت الولايات المتحدة في حالة حرب مع الفيتناميين الشماليين في الفناء الخلفي للصين.
كان نيكسون نفسه قد نال شهرة سياسية مبكرة باعتباره من الصقور المناهضين للشيوعية من خلال ملاحقته لألجر هيس، المسؤول السابق في وزارة الخارجية المتهم بالتجسس لصالح الاتحاد السوفياتي.
وأقرب اتصال دبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين كان قبل تلك الزيارة بـ15 عاما في 1954، عندما حضر كبار المسؤولين من كلا البلدين اتفاقية جنيف للتفاوض على حدود سياسية جديدة بين كوريا الشمالية والجنوبية، وشمال وجنوب فيتنام.
وفي المؤتمر، رفض جون فوستر دالاس، وزير الخارجية آنذاك في عهد دوايت أيزنهاور، مصافحة تشو إن لاي، رئيس مجلس الدولة الصيني وكبير المفاوضين.
غير أنه مع اقتراب فترة الستينيات المضطربة من نهايتها، كانت إدارة نيكسون تواجه العديد من التحديات الكبرى: حرب كارثية في فيتنام، والصراع الاجتماعي في الداخل، وتوقف مفاوضات الأسلحة النووية مع السوفيات.
وفي حين صور نيكسون نفسه علنا على أنه متشدد شعبوي، فإنه كان قارئا دقيقا للتاريخ واستراتيجيا ماهرا.
إذ اعتقد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنغر أن ذوبان الجليد في العلاقات مع الصينيين وإدخالهم في "مجتمع الأمم" من شأنه أن يكسب أمريكا حليفا جديدا قويا في مفاوضاتها مع كل من فيتنام الشمالية والسوفييت.
عدو عدوي هو صديقي
لقد تبين أن الصينيين كانت لديهم أسبابهم الاستراتيجية الخاصة لإعادة فتح الحوار مع الولايات المتحدة.بحسب المصدر نفسه.
فعلى الرغم من الأيديولوجية الشيوعية المشتركة بينهما، كان هناك قدر كبير من عدم الثقة بين الصين والاتحاد السوفياتي.
ولهذا شعرت قيادة جمهورية الصين الشعبية بالقلق من أن جيرانهم السوفيات المدججين بالسلاح لديهم خطط لتوسيع أراضيهم إلى آسيا.
وبحلول أواخر الستينيات، كانت المناوشات الحدودية المتكررة بين السوفيات والصينيين على وشك أن تتحول إلى حرب شاملة.
يقول إيفان توماس، الصحفي ومؤلف كتاب "أن تكون نيكسون: أ" "لقد ابتكر نيكسون وكيسنغر فكرة تأليب الاتحاد السوفياتي والصين ضد بعضهما البعض، مع اعتبار الولايات المتحدة الزاوية الثالثة للمثلث لخلق توازن مستقر للقوى".
وأضاف أن مقولة "عدو عدوي هو صديقي، كانت فكرة نيكسونية للغاية".
ومنذ قطع العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين الصين والولايات المتحدة، اضطر نيكسون إلى العمل من خلال قنوات خلفية خاصة في باكستان ورومانيا لتقديم مبادرات للصينيين، الذين أثبتوا تقبلهم.
وفي اعتراف علني نادر بالعلاقة الدافئة، دعت الصين فريق كرة الطاولة الأمريكي إلى سلسلة من الألعاب الاستعراضية في بكين في عام 1971، وهو تبادل ثقافي أصبح يعرف باسم "دبلوماسية كرة الطاولة".
دبلوماسية بينغ بونغ وذوبان الحرب الباردة
كان الانقلاب الأكبر هو زيارة كيسنغر السرية إلى بكين في يوليو 1971 للقاء الزعيم الصيني تشو إن لاي وجهاً لوجه.
وأثناء رحلة دبلوماسية إلى باكستان، تظاهر كيسنغر بمرض في المعدة مما أدى إلى إبقائه محتجزًا في غرفته بالفندق لعدة أيام. وفق ما كشفه موقع "هيستوري"
وتحت جنح الليل، استقل كيسنغر طائرة باكستانية خاصة متوجها إلى بكين، حيث طلب شخصياً من قيادة الصين، الموافقة على زيارة دولة رسمية للرئيس الأمريكي.
وفي برقية مشفرة أُرسلت إلى البيت الأبيض، شارك كيسنغر الأخبار الجيدة مع نيكسون في كلمة واحدة: "يوريكا".
المصافحة التي هزت العالم
كان إعلان نيكسون عن رحلته المقبلة إلى الصين بمثابة صدمة لأغلب الأمريكيين، ولكن هذه البادرة السياسية الجريئة سرعان ما حظيت بالدعم الشعبي.
في 21 فبراير/شباط 1972، هبطت طائرة نيكسون في بكين. وأمر بقية مبعوثيه بالانتظار على متن الطائرة.
نزل نيكسون الدرج أولا مع زوجته باتي -التي كانت ترتدي معطفا أحمر طويلا، وهو لون له أهمية كبيرة للصين- ومد يده بفارغ الصبر لتحية رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية.
يقول توماس: "لقد تعاملت الولايات المتحدة حرفيا ببرود مع تشو في عام 1954". "لكن قيام نيكسون بمد يده كان بمثابة إشارة واضحة إلى أن الزمن قد تغير وأن أمريكا مستعدة لاحتضان الصينيين. لقد كانت مهارة مسرحية رائعة".
وبعد فترة وجيزة من استقرار نيكسون في الفندق الذي يقيم فيه، قيل له إن ماو تسي تونغ، "الرئيس" المسن للثورة الشيوعية يريد مقابلته.
وعلى الرغم من أن ماو كان مريضا، إلا أنهما تحدثا لمدة ساعة بينما التقطت الكاميرات صورا لزعماء العالم وهم يبتسمون ويمزحون مع بعضهم البعض.