في أحد أيام السبت وعلى مقهى شهير في منطقة مدينة نصر، شرق العاصمة المصرية، كنت جالسا مع صديق الطفولة، وأثناء حديثنا سألته: "تفتكر الدولار هيقع فعلاً؟".
وبالرجوع إلى الماضي والاطلاع على تاريخ أزمات الدولار، مثل الكساد العظيم عام 1929، حين تراجعت جميع بورصات العالم، ثم صدمة نيكسون عام 1971 عندما اعترف الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أنه غير قادر على استبدال الدولار بالذهب مجددا والالتزام باتفاقية "بريتون وودز"، التي وقّعت عام 1944 وجعلت الدولار عملة احتياطية دولية، وسعر الأوقية من الذهب تم تثبيته عند مستوى 35 دولارًا وقتها، وصولا إلى الأزمة المالية العالمية وانهيار أكبر بنك أمريكي "ليمان براذرز"، ومؤخرا ارتفاع التضخم الأمريكي لمستويات قياسية سجلت 8.6% في مايو 2022، و9.1% في يونيو 2022، و8.5% خلال يوليو الماضي، مع زيادات الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة باستمرار، حيث رفع الفائدة خلال اجتماعات مارس/آذار 25 نقطة أساس، ومايو/أيار 50 نقطة أساس، ويونيو/حزيران 75 نقطة أساس، ويوليو/تموز 75 نقطة أساس.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فاليوم الفيدرالي الأمريكي يرفع الفائدة بنسبة تتراوح بين 0.5% إلى 0.75% كل شهر، مستهدفا الهبوط بمعدل التضخم إلى 2%، وهذه الممارسات تشبه كثيرا ما كان يفعله "الفيدرالي" في ثمانينيات القرن العشرين، عندما اضطر قادة أكبر 5 اقتصادات في العالم -اليابان وفرنسا وألمانيا الغربية وبريطانيا والولايات المتحدة- حينها إلى عقد اجتماع في فندق "بلازا أكورد" بمدينة نيويورك وتوقيع اتفاقية "بلازا"، لإجبار الولايات المتحدة على تثبيت سعر الدولار والتوقف عن الزيادات المستمرة في أسعار الفائدة، لأن ذلك يضر بمصالحهم التجارية، خاصة أن الدولار عملة تجارة دولية.
بعد كل هذا، يبدو أننا على وشك توقيع اتفاقية "بلازا 2"، لإجبار الولايات المتحدة مرة ثانية على تثبيت سعر الدولار. هكذا قلت للصديق.. فقاطعني، وهو الذي يعمل بالتجارة، قائلا بكل ثقة: "أنا تاجر وشغلي أغلبه بالدولار.. ولا يمكن ينهار حاليا".. سألته: لماذا؟ ومن أين هذه الثقة؟، فأجابني: "طول ما القواعد العسكرية الأمريكية في أماكنها حول العالم الدولار سيظل مهيمن على الأسواق".
واتفاقا مع ما طرحه الصديق وجدت كبار خبراء أسواق المال في العالم يرون أن احتمالية إجراء تدخل دولي للحد من ارتفاع الدولار "ضعيفة"، خصوصا أن العالم يمر بأزمة تضخم والدولار المرتفع يحد من الواردات والإنفاق، ما يساعد الدولة على ضبط ميزانها التجاري وخفض العجز لديها حاليا.
وبينما نحن نتسامر ويحكي لي الصديق عن آخر رحلة سفر له إلى ماليزيا، وكيف أن البيض هناك وجبة أساسية لا غنى عنها مثل الخبز لدى المصريين، فوجئت بمنشور لصديق ثان عبر صفحته بموقع "فيسبوك" يقول: "الحرب الأوكرانية ترفع سعر ربطة البقدونس في مصر إلى 2 جنيه.. والثلاثة بخمسة جنيهات".
في بادئ الأمر اعتقدت أنه منشور ساخر كعادة الصديق صاحب المنشور، ولكن سرعان ما انهالت التعليقات متفاعلة مع المنشور بجدية، وكأنه بيان حكومي رسمي.. ربما يكون هذا ملمحا لما يعانيه العالم كله، وليس مصر وحدها، من ارتفاع التضخم والدولار والتوترات الجيوسياسية في المنطقة: "غلاء متوحش يأكل حتى حزمة البقدونس".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة