ربما أصدق وصف للخلل الضارب بعمق العقل الاستراتيجي السياسي الأمريكي اليوم، داخل إدارة جو بايدن، ما قدمه دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، والخصم اللدود للتيار الأوبامي ولـ"جو النعسان".
ترامب، وفي تجمع مؤيدين له في ميتشيجان، ذكر أن الولايات المتحدة ليست مهددة من روسيا والصين!
إذًا من أين تهب رياح الخطر على الدولة الأمريكية؟
يجيب ترامب: "من السياسيين داخل البلاد".
ويفسر اتهامه المباشر هذا قائلاً: "أكبر تهديد لنا لا يأتي من الخارج، ولكن من السياسيين المرضى والمتطرفين الذين يريدون، عن قصد أو بغير علم، تدمير بلدنا. هذا هو التهديد الأكبر".
نتذكر الكيفية التي تصرفت بها إدارة بايدن في أفغانستان والانسحاب المخزي الفاضح الذي لن ينسى معه العالم صور الأفغان المساكين وهم يتساقطون من جسم الطائرات الأمريكية العسكرية "الجبانة" الهاربة من عصابات طالبان البدائية، لن يمحى أبداً ذاك المشهد المرعش للأعصاب، الخادش للعيون، الفاضح للكذب الليبرالي بصيغته الأوبامية-البايدنية.
رجالات ونساء إدارة بايدن فقراء في الخيال السياسي.. يعيشون على الكفاف الفكري والشح التحليلي، من روب مالي لجايك سوليفان لأوستن نهاية بالسيدة هاريس.
لاحظ هذا الأمر باحث مختص كتب مقالة مسهبة في "الفورين بوليسي" شارحاً ضياع وتيه إدارة بايدن في فهم النظام الإيراني، وحرصه القريب من إيمان وحرص دراويش الصوفية، على توقيع الاتفاق مع النظام الخميني اليوم، متجاهلاً كل المخاطر الأمنية والسياسية، صابًّا كل نظره فقط على السلاح النووي.
"حسين آغا" -العضو المشارك في كلية سانت أنتوني بجامعة أوكسفورد- سخر من رهان الجماعة الأوبامية على نجاعة سلاح العقوبات، والاكتفاء به عن كل سلاح، وتحدث عن أن اللقطات المصورة الأخيرة من طهران لا تظهر بؤساً وخراباً، في المقابل، وفي ملحظ خطير، تستفيد الآلة الدعائية الخمينية الإيرانية من "مظلومية" الحصار و"التعطيش" في استدعاء لإرث نُوَاحِيٍّ بُكَائِيٍّ تعبويٍّ قديم، لأنه: "يحتفي بالمعاناة التي تتمتع بقيمة سامية في الإسلام الشيعي، حيث لا تختلف عن المسيح على الصليب بالنسبة لبعض المسيحيين، الأمر الذي ليس مفهوماً على نحو جيد من قبل أولئك الذين يدعون إلى فرض عقوبات أكثر أو أطول أمداً".
صحيح أن رفع العقوبات الأمريكية مهم بالنسبة لإيران، لكنه ليس المهمة الأكثر إلحاحاً، باستثناء كونه دقاً لإسفين داخل النخبة الحاكمة، كما يقول حسين آغا.
لا ريب أن أمريكا هي أقوى دولة في العالم، بكل المعايير، ولها دور رائد تاريخياً في تدبير شؤون العالم منذ الحرب العالمية الأولى، لكن هذه القوة المهولة، تصبح مخيفة حين يسوس أمرها مَن لا يعي جوهر قوته ومن يجهل صفات الأصدقاء من الأعداء.. هنا تصبح حافلة أو شاحنة ضخمة تحت قيادة رجل نعسان.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة