أثار قرار (بنك الولايات المتحدة المركزي) بالإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير ارتياحا كبيرا في الأسواق في مختلف أرجاء العالم
أثار قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (بنك الولايات المتحدة المركزي) بالإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير ارتياحاً كبيراً في الأسواق في مختلف أرجاء العالم؛ إذ كان الجميع يترقبون إذا كانت لجنة السياسة النقدية بالمجلس ستتخذ قراراً جديداً برفع سعر الفائدة، استناداً على ما ذكرته في بيانها عند اجتماعها السابق في شهر ديسمبر من أنها ستستمر في سياستها برفع سعر الفائدة مرتين على الأقل خلال العام الجاري، وهو البيان الذي أثار حينها حالة من التشاؤم بشأن مستقبل النشاط الاقتصادي الأمريكي وفي أعقابه الاقتصاد العالمي.
هذا الارتياح يعود إلى التأثير الكبير الذي تمارسه السياسة النقدية الأمريكية في أرجاء العالم، وبما يترتب على ذلك من تطورات تلحق بالاقتصاد العالمي سلباً وإيجاباً، ويمكن القول إن تثبيت سعر الفائدة الأمريكي في الوقت الراهن له تأثيرات إيجابية ملحوظة
والواقع أن هذا الارتياح يعود إلى التأثير الكبير الذي تمارسه السياسة النقدية الأمريكية في أرجاء العالم، وبما يترتب على ذلك من تطورات تلحق بالاقتصاد العالمي سلباً وإيجاباً، ويمكن القول إن تثبيت سعر الفائدة الأمريكي في الوقت الراهن له تأثيرات إيجابية ملحوظة للعديد من الأسباب أمريكياً وعالمياً.
الاقتصاد الأمريكي
أولى هذه الأسباب هو أن القرار ربما يضع حداً للتراشق بين الرئيس الأمريكي ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما كان ملحوظاً عقب الاجتماع الماضي للمجلس، وكان له أثر كبير على الأسواق، فتدخل الرئيس يمس باستقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي؛ الذي يعتبر ركناً أساسياً في عملية صنع السياسة الاقتصادية الأمريكية، ومع استفحال هذا التدخل وما تبعه من ردود تميزت بالحدة أطلقها رئيس المجلس خلال شهر ديسمبر الماضي اندلع شك كبير بين المتعاملين في مدى سلامة واستقرار بيئة صنع السياسة الاقتصادية الأمريكية، وبما لذلك من تأثير كبير على توقعاتهم بشأن ما قد يتخذونه من قرارات.
وربما لهذا السبب كان بيان لجنة السياسة النقدية بمجلس الاحتياطي الفيدرالي واضحاً بشأن نقطتين؛ الأولى هي التأكيد على أن اللجنة ستتأنى في مواصلة رفع سعر الفائدة في ضوء التطورات الاقتصادية والمالية وانحسار الضغوط التضخمية، وأنها ستكون صبورة في اتخاذ تقرير الزيادات في أسعار الفائدة مستقبلاً، وهو ما يعني أن اللجنة اتخذت قراراها بناء على التطورات الموضوعية وحدها، وليس خضوعاً للتهديدات التي أطلقها البيت الأبيض. النقطة الثانية هي الحرص على الإشارة إلى أن القرار كان بالإجماع، للتأكيد على أن التطورات الموضوعية كانت واضحة بما دفع للجميع إلى اتخاذ هذا القرار، ففي أحيان كثيرة لا تكون القرارات بالإجماع؛ حيث يعترض البعض على رفع أو خفض سعر الفائدة نتيجة تقديراته الخاصة بشأن مستوى التضخم المرتقب أو التطورات الاقتصادية والمالية، ولا جدل أن القرار بصياغته بهذا الشكل يبث الثقة بشأن بيئة صنع القرار، ويبعث على ارتياح المتعاملين بشأن القرارات المستقبلية للمجلس ومراعاته في ذلك لطبيعة الظروف التي تشهدها السوق.
ثانياً: كان القرار باعثاً على بث بعض الثقة في إمكانية عدم دخول الاقتصاد الأمريكي بالضرورة في حال تباطؤ اقتصادي باتت محل توقع الجميع تقريباً، صحيح أن التباطؤ دوافعه أكثر تعقيداً، فمن بين هذه الدوافع مثلاً ما يمكن أن يسفر عن استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الآثار السلبية التي يمارسها سعر الفائدة على الاستثمار كانت من بين الدوافع الأساسية، ومن ثم فتثبيت سعر الفائدة يعطي دفعة للاستثمار ولو لبعض الوقت، وكان هذا الأمر واضحاً في الارتفاع الكبير نسبياً الذي شهدته سوق الأوراق المالية الأمريكية بعد قرار تثبيت سعر الفائدة، إذ إن العلاقة عكسية بين رفع سعر الفائدة المصرفية الذي يزيد من العائد على رأس المال المودع مع خلو ذلك من المخاطرة، مقارنة بالاستثمار في أسهم الشركات المحملة بالمخاطر.
الاقتصاد العالمي
ثالثاً: يعطي القرار فرصة لبعض دول الاقتصادات الناشئة التي اضطرت لرفع أسعار الفائدة فيها خلال الأشهر القليلة الماضية في محاولتها كبح هروب رؤوس الأموال منها، كما أن القرار قد يدعم من فرص عودة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية مرة أخرى على بعض هذه البلدان، ويعمل على تحسن أسعار صرف عملاتها، فلا جدل أن الاستثمارات غير المباشرة في حوافظ الأوراق المالية تبحث عن الفرص في أرجاء العالم، في سعيها لتحقيق عائد أعلى يوجهها في ذلك أمرين؛ المخاطر التي قد تواجهها في بعض الأسواق، والفرص المتاحة أمامها في أسواق أخرى.
ودون شك فرفع سعر الفائدة الأمريكي يوفر لهذه الاستثمارات فرصة عائد أعلى وبلا مخاطر، وهو ما يعمل على رفع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى، مع الإقبال على الاستثمار بما تحمله من زيادة في الطلب على العملة الأمريكية، وبلا شك فإن قرار تثبيت سعر الفائدة الأمريكي على سبيل المثال يعمل على دعم ما شهدته السوق المصرية على سبيل المثال من ارتفاع لأول مرة منذ شهر مايو الماضي باستثمارات الأجانب في سندات وأذون الخزانة المصرية، وهو ما أدى إلى تحسن سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بشكل ملحوظ، على الرغم من أن العديدين كانوا يتوقعون قبل أيام قليلة عكس ذلك على طول الخط، هذا مع ملاحظة أننا نتحدث هنا عن نوع من الاستثمارات القصيرة الأجل بطبيعتها، وتوصف عادة أيضاً بأنها أموال ساخنة لأنها لا تستقر في بلد طويلاً، في ظل ما أشرنا إليه من مخاطر يمكن أن تنشأ في هذا البلد أو ذاك، أو ما يمكن أن يتاح لها من فرص في أي مكان آخر.
رابعاً: يعمل القرار على زيادة فرص تحسن أسعار بعض السلع المتداولة في الأسواق العالمية وعلى رأسها النفط، فالارتياح الذي يبعث به القرار فيما يتعلق باحتمالات عدم دخول الاقتصاد العالمي في حال من التباطؤ في النشاط تعني ارتفاع الطلب ولو بشكل قليل على هذه السلع، بما يعني زيادة احتمالية ارتفاع أسعارها مستقبلاً، وكان هذا الأمر ملحوظاً في الزيادة التي شهدتها أسعار النفط، وهو ما يعود جزئياً إلى سببين؛ هما قرار تثبيت سعر الفائدة، والتخوف بشأن العقوبات الأمريكية ضد فنزويلا وأثرها على انخفاض العرض العالمي من النفط.
وخامساً يعطي القرار فرصة للبلدان التي تثبت أسعار صرف عملاتها أمام الدولار لكي تلتقط أنفاسها، ويزيد من فرص تحقيقها معدلات نمو اقتصادي أفضل، نتيجة عدم اضطرارها لرفع سعر الفائدة؛ إذ إن هذه البلدان تقتفي عادة أثر رفع سعر الفائدة الأمريكية لكي تحافظ على سعر صرف عملاتها، في علاقة شبه ثابتة مع الدولار الأمريكي، لذا في الوقت الذي لا تضطر فيه هذه البلدان إلى ذلك فعدم اضطرارها الآن إلى الإقدام على رفع سعر الفائدة كما كان منتظراً يعني المزيد من فرص التوسع في الاستثمار، ويزيد من هذا الأمر تزامن ذلك في بعض البلدان مع ارتفاع أسعار سلع تصديرها، كالوضع في منطقة الخليج العربي على سبيل المثال فيما يتعلق بالنفط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة