قبل أشهر، تحديدا في أواخر تموز الماضي، وقبيل زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى واشنطن، كان السؤال المطروح في أمريكا على لسان معظم الصحفيين: هل هدف زيارة "الكاظمي" أن يظهر لخصومه -ولو مواربة- إطلاق حملته الانتخابية من داخل "البيت الأبيض"؟
ربما أراد، بناء على تساؤلهم هذا، أن يدرك منافسوه في العراق أنه يحظى بدعم دولي سيجعل الداخل العراقي يصوّت له ولأعضاء حملته الانتخابية، لذلك فإنه بمجرد عودته إلى العراق جدد تمسكه بإجراء الانتخابات في موعدها، رافضا أي احتمال لتأجيلها.
وأكد أكثر من مرة عدم تنازل مجلس الوزراء عن إجراء هذا الاستحقاق في موعده المحدد، رداً على إعلان جهات حزبية عراقية عدم مشاركتها في الانتخابات، إلا إذا تأجل الموعد.
ومهما كانت المعاناة، التي يعيشها العراقيون، سواء من أزمات معيشية، أو ارتفاع البطالة بين أوساط الشباب، فضلاً عن انعدام بعض الخدمات الأساسية في عدد من المحافظات، واستشراء الفساد والمحاصصة من قبل الأحزاب، فإن "الكاظمي" حاول ويحاول دوما حشد دعم دولي وإقليمي لمستقبله السياسي، ويعود ذلك لافتقاده إلى حزب سياسي وقاعدة شعبية، لذا يبقى الطريق الوحيد له نحو كسب التأييد من أجل تشكيل حكومة هو عبر التوفيق بين الأحزاب السياسية، التي تهيمن عليها قوى إقليمية ودولية، وبمعنى آخر فإن "الكاظمي" يسعى للاستفادة من الدعم الخارجي للتعويض عن موقفه السياسي الضعيف في الداخل.
يترقب كثيرون في واشنطن نتائج الانتخابات العراقية، ذلك أن "الكاظمي" سعى ويسعى إلى الحصول على مساعدة الولايات المتحدة له، وبالنظر لما إذا كانت واشنطن سوف تسمح للعراق بالقيام بمبادلات تجارية مع إيران بشكل أسهل، دون أن تكون بغداد عرضة لعقوبات ثانوية تطال الدول التي تقوم بتعاملات تجارية مع طهران، وهذا كله في حال فوزه في هذه الانتخابات الأهم منذ عقدين من الزمن.
وكذلك فإن الاهتمام الأمريكي تأكد بعد تصريحات أممية شددت على أهمية الانتخابات العراقية، حيث أكدت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد أن بلادها ترحب بجهود بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، "يونامي"، لدعم الانتخابات بمراقبين إضافيين، وأعلنت عن منحة قدرها 5.2 مليون دولار لفريق مراقبة الانتخابات التابع لبعثة الأمم المتحدة في العراق، ولا ننسى أن اللافت في هذه الانتخابات هو الجهد الدولي المتمثل في رقابة الأمم المتحدة، والذي يختلف عن المرات السابقة، حيث بذلت المنظمة الدولية جهدا كبيرا في عملية التواصل مع الأطراف السياسية من أجل التوصل إلى رؤية واضحة حول كيفية مراقبة الانتخابات بما يضمن تحقيق حيز من النزاهة، لكي يشعر المواطن العراقي بوجود تقدم ما في هذه الانتخابات يختلف عن المرات السابقة.
لكن ما كان ينتظره العراقيون -حسب رأيي- هو أن تكون تلك الانتخابات بإشراف دولي وليس تحت رقابة غير ملزمة، ومع ذلك فإنها قد تكون مختلفة عن سابقتها من حيث النزاهة والتنظيم، بالرغم من أنها تأتي في ظل اضطرابات كبرى تعيشها البلاد، من بينها "السلاح المنفلت"، والنزاعات المسلحة المتعلقة بوجود التنظيمات الإرهابية والكتائب المسلحة خارج نظام الدولة، حيث تعمل تلك القوى على أن يكون لها دور مباشر أو غير مباشر في الانتخابات، وأن يكون لها مكان في البرلمان، وهو ما يتناقض مع دستور البلاد، الذي يحظر على تلك التنظيمات القيام بدعاية انتخابية أو المشاركة فيها.
ويتوجه نحو 25 مليون عراقي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء برلمانهم الجديد المكون من 329 عضواً من بين 3240 مرشحاً، حيث أعلنت نحو 12 دولة، تتقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، اهتمامها بإجراء انتخابات نزيهة وعادلة في العراق، بالرغم من إدراك واشنطن أن القوى التقليدية قد تهيمن على نسبة 80٪ من مقاعد البرلمان أو أقل قليلاً، وأنه لا يوجد تغيير كبير أو جذري، إلا في حالة واحدة، وذلك عبر مشاركة واسعة في الانتخابات، بحيث تتغير المعادلة بشكل كامل، ولكن لا مؤشرات على ذلك حتى الساعة، حيث رأينا خلال الساعات الماضية نسب التصويت لمنتسبي الأجهزة الأمنية والفئات، التي تصوت قبل موعد الانتخابات بيومين.
على المستوى الشخصي لاحظت الاهتمام غير المسبوق للجاليات العربية في الولايات المتحدة تجاه هذه الانتخابات، وستطغى الانتخابات العراقية على الشأن الإقليمي والدولي في الأيام المقبلة، في ضوء المتغيرات الكبيرة، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها تداعيات الانسحاب الأمريكي، والذي تبقى بغداد جزءا منه، حيث يبقى كابوس عودة "داعش"، أحد أهم التحديات، التي تسهم بصورة كبيرة في حالة تبدو "نادرة" من التعاون بين القوى العربية ومنافسيها، وهو الأمر الذي ترجمته قمة بغداد، التي انعقدت في شهر أغسطس الماضي.
الخلاصة، أن الولايات المتحدة لا ترغب في أن ترى العراق دولة هزيلة لا يمكنها تحمل مسؤولياتها ومسؤوليات شعبها، ولا يمكنها السيطرة على السلاح المنفلت في أيدي الجماعات المسلحة، وموقف الإدارة الأمريكية واضح في الوقوف مع الشعب العراقي، الذي يعاني سوء الخدمات، ويطالب بمستحقاته من العيش في ظل دولة يحكمها القانون، لكن على العراقيين، الذين لا يريدون أن يروا دولة تسيطر عليها المليشيات، أن يثبتوا ذلك في هذه الانتخابات، التي يحبس العالم أنفاسه في انتظار نتائجها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة