العبور نحو الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، الذي يمثل تاريخ يوم استقلال ليبيا، سيبقى مهدداً بالخطر في ظل وجود المرتزقة والقوات الأجنبية.
رغم الإجماع الدولي "لفظياً" على ضرورة خروج المرتزقة، ولكن ليس هناك خطوات ملموسة وآلية واضحة لإخراجهم.
فسحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا هو أهم خطوة يجب أن تسبق الانتخابات، وإلا أصبحت إرادة الناخبين والمرشحين معرضة للخطر، في ظل وجود مرتزقة وقوات أجنبية خاصة في العاصمة ستؤثر على النتائج، وقد تتسبب في عرقلة الناخبين ومنع المرشحين من حرية الحركة، وحتى الدعاية الانتخابية والتواصل بحرية مع الناخبين.
رغم الحديث عن مقترحات ما سمي "الخروج المتزامن" وانسحاب مشروط، ربما بنسب مئوية على حد سواء بين جميع الأطراف، التي تمتلك مرتزقة، أو ترتبط بها داخل ليبيا، فالمرتزقة خطر على الجوار أيضاً، وهناك من يرى أن حتى خروجهم بأسلحتهم يعد خطراً إقليمياً آخر، خصوصاً في ظل وجود صراعات في بلدان الساحل والصحراء ونشاط كبير لـ"داعش" وأخواتها، مما سيجعل خروج مرتزقة بأسلحتهم فرصة للتنظيمات الإرهابية لاستغلالهم واستعمالهم مجدداً، ولهذا خطة الانسحاب يجب أن تكون مدروسة، وأن يعود المرتزقة من حيث أتوا، لا أن يتم إعادة انتشارهم ضمن خريطة صراعات أخرى واستعمالهم كبنادق مستأجرة.
ملف المرتزقة ليس ملفاً ليبياً خالصاً بالمطلق، ومن يظن أن خروجهم هو رهين إرادة ليبية خالصة هو مخطئ، فملف المرتزقة هو نتيجة تدخلات خارجية وحرب بالوكالة في ليبيا، فالوجود التركي والمرتزقة بهذا الحجم الكبير وتركيا العضو في حلف الناتو لا يمكن القبول بأنه وجود تركي خالص، أو فقط لمساعدة تنظيم "الإخوان" في ليبيا، إلا أن الوجود والتدخل التركي بهذا الحجم الكبير، كان ضمن صفقة تفاهم أمريكي في عهد ترامب الهدف منه محاولة لمنع التدخل والتقارب الروسي في ليبيا، ولهذا كانت تركيا تلعب دوراً للصالح الأمريكي، حيث قالت القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" إن أعضاء في مجموعة "فاغنر"، وهي شركة عسكرية روسية خاصة، موجودة في ليبيا، بينما روسيا تنفي رسمياً هذا الادعاء، وبالتالي أي مطالبة بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية لا بد أن تمر عبر بوابة التفاهم بين أمريكا وتركيا وروسيا.
ولعل مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على الرئيس الأمريكي جو بايدن ينص على "lays out a six-month timeline"، إخراج المرتزقة السوريين المدعومين من تركيا، يليه سحب المقاتلين المدعومين من روسيا والقوات التركية النظامية، وفق جدول زمني مدته ستة أشهر، وفق ما جاء على موقع "بوليتيكو"، يؤكد أن معضلة المرتزقة ليست ليبية خالصة، بل معضلة دولية.
المرتزقة في ليبيا يتنوعون بين أتراك وسوريين وروس وسودانيين وتشاديين، وبعضهم تحالفوا مع التنظيمات الإرهابية مثل "مجلس شورى المجاهدين"، التي كانت تمولها "الإخوان" للسيطرة في الجنوب والشرق الليبي، قبل أن يدحرهم الجيش الليبي ويقطع دابرهم.
ليبيا الغارقة في التدخلات الخارجية والحرب بالوكالة ومحاولات تنظيم "الإخوان" والإسلام السياسي، ومحاولة الاستحواذ على ليبيا كاملة أو حتى مقسمة، ولكن بالنفط، جعل بعض قيادات تنظيم "الإخوان" يعملون على إعادة رسم خريطة التحالفات الداخلية، على رأسها إعادة ترتيب ورسم خريطة تحالفات تنظيم "الإخوان" الجديدة، خصوصاً في ظل توالي سقوط جماعة "الإخوان" في الجوار الليبي من مصر إلى السودان فتونس ثم المغرب، مما جعل "إخوان ليبيا" يغرقون في محيط سقطت فيه أحزاب وحكومات "الإخوان"، ولهذا سيتمسك "إخوان ليبيا" بوجود المرتزقة لإنقاذهم من السقوط الوشيك.
وجود المرتزقة والقوات الأجنبية يعد تهديداً أمنياً ويتسبب في خرق ديمغرافي، بل ويهدد بالانقسام والتشظي الجغرافي في ليبيا، مما يهدد بانقسام البلاد جغرافياً وليس فقط سياسياً.
ليبيا خالية من المرتزقة والقوات الأجنبية هو ما يطلبه الليبيون الأحرار، ولا يقبلون بغيره بديلاً.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة