انتهى مؤتمر "أوبك+"، الاثنين الماضي، إلى الإقرار بالزيادة المتفق عليها في الإنتاج، والبالغة 400 ألف برميل يوميا خلال نوفمبر المقبل.
هذا الأمر تضمنه اتفاق سابق في شهر يوليو جرى بحيث تزيد "أوبك+" إنتاجها كل شهر حتى تنتهي كمية الخفض السابق في الإنتاج، البالغة 5.8 مليون برميل يوميا.
وانتهت مع قرار "أوبك+" المشار إليه آمال قطاعات من المستهلكين ووكالة الطاقة الدولية في أن تزيد "أوبك+" كمية الإنتاج بمقدار 800 ألف برميل يوميا في شهر نوفمبر.
وقد استغرق اجتماع "أوبك+" ما لا يزيد على 25 دقيقة، ما يشير إلى أنه كان هناك توافق كبير بين البلدان أعضاء التحالف على القرار الذي أصدروه.
وقفزت أسعار النفط في أعقاب الاجتماع، إذ تم تداول "خام تكساس المتوسط" عند مستوى يبلغ قرابة 78 دولارا للبرميل، بينما تم تداول برميل نفط "برنت" عند مستوى يزيد على 81 دولارا.
وبعد التحسن الكبير بالفعل في الأسعار هذا العام بسبب تحسن الطلب، كان القليلون فقط هم الذين توقعوا أن تحقق أسعار النفط المزيد من الارتفاعات، لكنه تلقى دفعة من الأزمة الطاحنة في توفر الغاز الطبيعي، التي تتعرض لها كل من أوروبا وآسيا، مجبرة العديد من الجهات على مراجعة توقعاتها لأسعار النفط، كما سنشير إلى ذلك لاحقا.
وكان واحد من أكثر المتوقعين لمزيد من ارتفاع الأسعار "بنك جولدمان ساكس"، الذي تمسك محللوه بتوقعهم لهدف 80 دولارا لبرميل نفط "برنت" بغض النظر عن عودة تسجيل حالات إصابة أعلى بـ"كوفيد-19" في العديد من الأسواق الرئيسية، وغيرها من التطورات، التي قد تؤثر سلبا على الأسعار.
والآن يرى هؤلاء المحللون أن الأسعار سترتفع أكثر لتبلغ 90 دولارا للبرميل.
وفي مذكرة كتبها العاملون في البنك خلال الأسبوع قبل الماضي أشاروا إلى وجود سحب كبير في المخزونات التجارية من النفط، حيث بلغ معدل السحب 4.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يعد أكبر معدل سحب يومي سبق تسجيله على الإطلاق، وهو واحد من العوامل، التي تدفع نحو تهيئة السوق لتلقي مزيد من ارتفاع الأسعار.
وقد تأثرت السوق كذلك إلى حد كبير بالخسارة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة، والناجمة عن إعصار "إيدا"، حيث بلغت الخسارة في الإنتاج نحو 30 مليون برميل إجمالا، إذ تحول هذا الإعصار لا ليصبح فقط واحدا من أكثر الأعاصير تدميرا في التاريخ المعاصر، ولكن واحدا من أهم الأسباب وراء أن الزيادة في إنتاج "أوبك+"، التي تم الاتفاق عليها في يوليو الماضي، ربما تفشل في صنع فارق كبير في العرض العالمي من النفط.
وفي الواقع، ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها أنه بسبب إعصار "إيدا"، فإن العرض العالمي قد نقص حقيقة في أغسطس، بالرغم من الزيادة في إنتاج "أوبك+"، التي بلغت 540 ألف برميل يوميا، نتيجة الزيادة المقررة بمقدار 400 ألف برميل يوميا.
ورغم توقع وكالة الطاقة الدولية استعادة نمو الإنتاج العالمي خلال شهر أكتوبر الجاري، فإنه طبقا لتوقعات محللي "جولدمان ساكس" فإن هذا لن يكون كافيا لإحداث توازن بين العرض والطلب.
ويتوقع عدد كبير من المحللين أن يعود مستوى الطلب على النفط إلى مستويات ما قبل جائحة "كوفيد-19"، أي إلى مستويات عام 2019، عند بداية العام المقبل، أو حتى عند نهاية العام الحالي، إذ من المنتظر أن يبلغ مستوى الطلب على النفط 100 مليون برميل يوميا، وطبقا لبعض المحللين فقد يبلغ مستوى الطلب 102 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، وهو ما يزيد على مستوى الطلب قبل حدوث الجائحة.
ووفقا لتقرير شهر سبتمبر لمنظمة "أوبك"، فإن التصاعد في الإصابات بالمتحور دلتا سيؤدي جزئيا إلى تأجيل زيادة الطلب على النفط حتى العام المقبل.
ولكن عندئذ فإن التعافي القوي للنشاط الاقتصادي والتعافي الأقوى في استهلاك الوقود سوف يؤديان إلى زيادة الطلب في المتوسط ليبلغ 100.8 مليون برميل يوميا، وهو ما يزيد على مستويات ما قبل الجائحة، ويرفع بذلك مستوى الطلب بمقدار 900 ألف برميل يوميا.
ويتوقع الآن محللو السلع في بنك "جولدمان ساكس" أن يبلغ سعر برميل نفط "برنت" 90 دولارا عند نهاية هذا العام مع تعافي الطلب على النفط أكثر بسبب التعافي في حركة السفر.
وسوف يقود التعافي انخفاض حالات الإصابة خلال الموجة الأخيرة من كوفيد-19، وهو ما يشير إلى أن عملية التلقيح ناجحة، وأن العودة إلى الحياة الطبيعية يمكن بلوغها مرة أخرى.
أخيرا، هناك عامل إضافي في زيادة أسعار النفط، ألا وهو أزمة الغاز الطبيعي، التي أثرت على أوروبا وآسيا.
وقد حدثت تلك الأزمة نتيجة نقص الاستثمارات في الإنتاج، وتحقق قفزة في الطلب مع تعافي النشاط الاقتصادي، وكذلك حدوث طقس قاسٍ خلال شتاء العام الماضي، وهي عوامل أدت كلها إلى أن تصبح مستودعات تخزين الغاز نصف فارغة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية قبل فصل الشتاء المقبل، ودفعت بمحطات توليد الكهرباء في أوروبا إلى إعادة تشغيل المحطات، التي تعمل بالفحم والنفط.
من جهة أخرى تشعر الصين بالتقييد الكبير في عرض الفحم، بعد القيود التي كانت قد فرضتها على الانبعاثات، ما أضاف المزيد إلى أسعار مواد الطاقة كافة.
ويفيد كل ما سبق بوجود عجز في أسواق النفط، وكما يقول محللو "جولدمان ساكس" فإن اتساع هذا العجز "سوف يفوق رغبة وقدرة أوبك+ على تغطيته"، كما أن التعافي في سوق النفط الصخري الأمريكي "لن يكون كافيا بمفرده في إزالة هذا العجز".
ويعني هذا بشكل أساسي أن أسعار النفط سوف تظل مرتفعة لفترة أطول، وهو سيناريو كان من الصعب للغاية تصوره منذ أشهر فقط، على الرغم من تعافي الطلب، وذلك بسبب التركيز على مصادر الطاقة المتجددة وتأثير في الطلب على النفط.
والآن، ارتفعت أسعار الفحم هي الأخرى بشكل صاروخي، وذلك مع زيادة محطات التوليد في أوروبا من طلبها عليه، بغية سد النقص الذي تعانيه بسبب انخفاض توليد الطاقة عن طريق المصادر المتجددة خلال فصل الشتاء المقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة