يتحرك الكونجرس في الوقت الراهن على فكرة دعم اتفاقيات السلام بين الدول العربية وإسرائيل.
وقد اتضح ذلك من جملة التحركات الأمريكية، سواء في الكونجرس أو في مجلس الشيوخ، وهو ما سينعكس على دعم الحكومة الإسرائيلية الحالية، ويثبت أركانها في مواجهة المطالبين بإسقاطها، في ظل حالة التربص اللافت من تكتل "ليكود"، ومن الأحزاب اليمينية، التي تطالب بمراجعة الائتلاف الحاكم، وإخراج القائمة العربية الموحدة من الحكومة.
ويدعو المشروع المطروح في الكونجرس عن اتفاقات السلام مع إسرائيل لعام 2021، والذي طرحه عدد كبير من النواب الديمقراطيين والجمهوريين، إلى تعزيز اتفاقات السلام مع إسرائيل وتوسيعها، من منطلق الحرص على أن الاتفاقات الحالية تحصد ثماراً أمنية واقتصادية، مع التأكيد أن اتفاقات السلام الأخيرة لديها القدرة على تغيير الأجواء الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية جذرياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى تقديم المصالح الأساسية للأمن القومي الأمريكي، مع الإقرار بأن هذه الاتفاقات التاريخية قد تساعد على تحقيق السلام بين إسرائيل والدول العربية، وغيرها من دول المنطقة، وتخلق فرصاً دبلوماسية إضافية.
وستحسن هذه الاتفاقات من الجهود الداعمة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر التفاوض، والتوصل إلى حل الدولتين، دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية، تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن واعتراف متبادل.
ومن الواضح أن الكونجرس يسعى لوضع استراتيجية أمنية في المنطقة لتسليط الضوء على التهديد المشترك، الذي تشكله إيران وأذرعها في الإقليم، مع بناء تعاون وثيق مع شركاء الولايات المتحدة لمواجهة هذه التهديدات، إضافة إلى تطوير الاتفاقات الأمنية مع الشركاء، وبينهم، وتطوير استراتيجية للتشجيع على التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية والفلسطينيين، لتحسين فرص السلام، واحترام حقوق الإنسان والشفافية في الحكم، إضافة إلى التعاون في مشاكل قلة المياه وتحسين الأوضاع الصحية والتنموية.
ويفرض مشروع القانون على وزارتي الخارجية والدفاع، مهلة 3 أشهر بعد إقراره، لتقديم تقارير مفصلة للكونجرس تشرح الاستراتيجيات المطلوبة، بتفصيل يشمل نصه فقرة مهمة تتطرق إلى القوانين المعارضة للسلام في بعض دول المنطقة، ويشير إلى حوادث محاكمة المواطنين في بعض البلدان العربية بتهم الدعوة إلى اتفاق السلام مع إسرائيل أو زيارتها أو الحديث مع إسرائيليين.
وسيفرض مشروع القانون، حال تمريره، ولاية مدتها خمس سنوات على وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتطوير وتقديم استراتيجية سنوية للكونجرس لتوسيع وتعزيز اتفاقيات السلام، من خلال جهود تشمل التعاون الثقافي والاقتصادي والأمني، وخطط حول كيفية إسهام مسؤولي وضباط وبرامج وزارة الخارجية الحالية في جهود عقد اتفاقات سلام.
في هذا السياق الجاري بالكونجرس بشأن مسارات السلام المتوقعة في الشرق الأوسط تمكن الإشارة إلى أن أهم الدوافع التي عجلت بتمرير هذا المشروع مبررات عدة، أولها تولي حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة نفتالي بينيت/يائير لابيد، ما سيشجع الإدارة الأمريكية على التحرك، واستئناف اهتمامها بعمليات السلام في الشرق الأوسط بعد فترة سكون استمرت أكثر من 6 أشهر بسبب انشغالها بقضاياها الداخلية المعقدة.
وهو ما اتضح من جملة التحركات الأمريكية الراهنة بعد المواجهات التي دارت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقيام وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، بزيارة بعض الدول العربية وإسرائيل، لتأكيد الحضور الأمريكي في التطورات الجارية بالشرق الأوسط.
المبرر الثاني هو إقدام منظمة إيباك، كبرى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، على تحريك المشهد السياسي الراهن، ودفع النواب الأمريكيين في الكونجرس ومجلس الشيوخ على التقدم بمشروع القانون المشار إليه، تخوفا من تجمد الموقف السياسي، واستثماره من القوى المتربصة بإفشال مسار عقد المزيد من اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، والتعجيل بتحقيق إنجازات حقيقية في مسارات العلاقات وبناء شراكات تتجاوز الماضي.
أيضا بين المبررات رغبة الحكومة الإسرائيلية في استثمار الأجواء الأمريكية الحالية والتقارب الرسمي، الذي يتمثل في استمرار الحوار السياسي والاستراتيجي بين الجانبين، وكان آخر ذلك زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، ومن قبله وزير الدفاع بيني جانتس، لتأكيد طبيعة الدور الأمريكي الداعم لأمن إسرائيل، واستكمال الخطوات الرسمية في تحقيق مزيد من الاتفاقيات مع بعض الدول العربية، بل وتطوير ما تم الاتفاق بشأنه، وهو ما برز في زيارة وزير خارجية إسرائيل لدولة الإمارات مؤخرا، وافتتاح السفارة والقنصلية في كل من أبوظبي ودبي.
رابع الدوافع لتمرير مشروع القانون كان قيام الإدارة الأمريكية بمراجعة مجمل تقييماتها السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، مع التركيز على المخاوف الإسرائيلية من إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، برغم الصعوبات المطروحة في ذلك بعد تولي الرئيس الإيراني الجديد، وهو ما تطلب التجاوب الحذر مع المطالب الإسرائيلية برعاية ودعم التوجهات الإسرائيلية تجاه إبرام مزيد من اتفاقيات السلام مع الدول العربية، وإعادة تحديد الدور الإسرائيلي في قضايا الإقليم، سواء في البحر الأحمر، أو شرق المتوسط، وفي منطقة الخليج، والعمل مع الدول العربية في إطار مواجهة التهديدات الإقليمية.
خامسا: وجود قناعات أمريكية إسرائيلية رسمية بأن توقيع اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية سيقف في مواجهة ما يجري في الإقليم من تحديات، مع التركيز على أفكار السلام الاقتصادي، والقيام بمشروعات مشتركة تؤثر على التغيير في الرؤية والأوضاع العربية الراهنة، وتؤدي إلى نتائج إيجابية على المستويات كافة، خاصة أن محاصرة الإرهاب، ومواجهة التحديات الإيرانية، ستتطلبان الإسراع بمحاصرة قوى الرفض الراهنة، وبناء استراتيجية متكاملة عربيا وإسرائيليا.
ستعمل إذاً الإدارة الأمريكية على إعادة ترتيب حساباتها السياسية والاستراتيجية في الشرق الوسط، انطلاقا من واقع جديد سيتشكل في إطار مناخ سياسي أمريكي داعم للعمل على استقرار الشرق الأوسط لمواجهة التحديات والمخاطر المستجدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة