أسواق النفط حول العالم كغيرها من الأسواق، تعيش الأزمات وتتأثر بالأحداث سلبا وإيجابا.
فكما استفادت السوق بعد حرب أكتوبر 1973 وكسبت أسواق النفط ارتفاعات تاريخية انعكست في ذلك الوقت على المنتجين، الذين عرفوا واحدة من الطفرات المالية التي بدورها انعكست على البنية التحتية الاقتصادية في كل الدول المنتجة للنفط، غير أنها تأثرت بعد سنوات بهبوط معاكس في فترة الثمانينيات الميلادية من القرن العشرين الفائت، فهذه سوق تتأثر حتى بالطقس، فكيف بها في ظروف الحروب والصراعات والأزمات.
تراجعت أسعار النفط بعد فترة صعود، وشهدت السنوات العشر الأخيرة تقلبات كبرى، مما أحدث خللا بين العرض والطلب في الأسواق النفطية مع ظهور النفط الأحفوري، ما أدى إلى زيادة الضغط على الأسواق، وكانت حدة صراعات الشرق الأوسط من عوامل التقلبات الحادة، وهو ما تطلب سياسة جديدة تحفظ للمنتجين في منظمة "أوبك" وكذلك المستهلكين، السعر العادل، وهو ما تحقق عمليا في سياسة "أوبك بلس"، التي ضمت روسيا الاتحادية كدولة كبرى في الإنتاج، وتم استيعابها ضمن اتفاق يتم تجديده دوريا.
أزمة كورونا، ومن ثم إغلاق العالم، لم تكن المتسبب الوحيد في الهبوط التاريخي لأسعار النفط، بل ثمة تحديات أخرى شكلتها زيادة المخزونات كضاغط أكبر، مما أنهك السوق بتوفر كميات نفطية هائلة تطلبت سياسات قاسية كان على دول "أوبك" التعامل معها، فيما كانت ثمة تحديات أخرى لدولة الإمارات من خلال استقطاب شركات عالمية تستثمر في الحقول النفطية، مما يعني زيادة الإنتاج بحسب الخطة الاستراتيجية إلى 2030.
الاستثمارات الضخمة والالتزام تجاه عقود الشركات المستثمرة هي جزء من المسؤولية الأخلاقية لدولة الإمارات والتزاماتها بالوفاء بها، والمصالح بالنسبة للإمارات تنطلق من توفير الاستثمار العادل والإيفاء بتوفير الحصص كاملة للسوق النفطية، هذا المستوى من الالتزام يستدعي توازنا بين المصالح المشتركة للدول المنتجة والمستهلكة إضافة للشركات العاملة في القطاع النفطي، مما يضمن توفير الوظائف وتدفق النفط والمحافظة على السعر العادل.
ظرف جائحة كورونا كان استثنائيا، واستدركت الإمارات الظرف وتحملت التزامها بالاتفاق بشهادة منظمة "أوبك" وبياناتها المعلنة التي تؤكد الموقف الإماراتي الملتزم تماما.
التزام الإمارات بلغ نسبة 103 بالمائة رغم قدرتها على زيادة إنتاجها بحسب الخطط الوطنية وبحسب حاجتها، إلا أنها التزمت بالاتفاق تقديرا لوضع السوق وللدول المستفيدة مباشرة من الاتفاق الذي ينتهي في نهاية أبريل 2022، أي لا تزال هناك فترة زمنية طويلة في مداه لا تفرض استعجالا في تجديد الاتفاق دون الأخذ بالتطورات في الأسواق بين العرض والطلب.
الإمارات أبدت كامل استعدادها لدعم اتفاقية جديدة باشتراط تغليب مصالح المنتجين، الذين تحملوا خلال الفترة السابقة تبعات التزامهم التام بالاتفاق وتحملوا صعوبات كبيرة حان الوقت لتقديرها والتعامل معها بإنصاف، فمن الواضح أن الإمارات هي أكثر الدول الأعضاء حرصا على اتفاقية عادلة، وأكثرها اهتماما بسوق فيها ذات القدر من توزيع المسؤوليات على القطاع النفطي، حتى لدرجة ضمان الوظائف في نطاق الشركات المنتجة للبترول في الإمارات وحول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة