تاريخيًا، تُعتبر أرض العراق خصبة للفتن والقلاقل، ومؤخرا مليشيات مسلحة تسيطر على مفاصل الدولة مكونة "دولة داخل دولة".
أحيانًا بعض المليشيات هناك تفتخر بالإرهاب علنًا، ما يؤكد أن العراق يواجه تهديدا متزايدا من المليشيات، التي تفرض سطوتها على الدولة، وبعضها ولائية، تأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني، وللأسف هي متمكنة من الوضع في العراق باستخدام السلاح وليس بقوة الإرادة الشعبية.
هذا ما أظهرته بعض التقارير الأمريكية، التي توضح أن بعض المليشيات سيطرت على إرث "داعش" في العراق.
وحاليا تجري في العراق عملية تشكيل المليشيات المسلّحة بسرعة تُثير قلق المدنيين وأوساط حكومية وبرلمانية عراقية، في وقت تحظى فيه بتأييد من الأحزاب الموالية لإيران.
وقد ارتفع عدد المليشيات المسلّحة في العراق، وفقاً لتقرير استخباري صادر عن ديوان استخبارات وزارة الدفاع العراقية، إلى 53 مليشيا في عموم مناطق جنوب ووسط العراق، فضلاً عن العاصمة.
وفاق عدد المسلحين الـ120 ألف مقاتل، غالبيتهم من الطبقة الفقيرة غير المتعلمة، ومن أعمار تتراوح بين 16 و40 عاماً.
الأشهر الثلاثة الماضية شهدت ولادة مليشيا واحدة كل شهر، وكل المليشيات لديها عامل مشترك واحد، هو الغطاء الديني المتطرف والتمويل، إذ تتلقّى كل مليشيات العراق موازنة من طهران تتراوح بين 100 و500 ألف دولار شهرياً، بحسب عدد أفرادها وثقلها على الأرض وما تحققه، كما أنها تقوم بعميلة تغيير ديمغرافي لصالح إيران، بل إن بعضها نفذ أكثر من 17 عملية تهجير وتطهير طائفي خلال أقل من عام، ما يجعل البعض يرى أن تنظيم داعش والمليشيات في العراق يوجد بينها تسخير ومنافع متبادلة وقت الحاجة، فكلا الطرفين يعي هدف الآخر في مناطق محددة دون سواها، أي إن هذه السياسة الوقتية تطبَّق في بعض المحافظات والمدن بحد ذاتها.
مما سبق، مؤكد لدينا أن هذه المليشيات تختطف العراق رهينة لصالح أوهام إيران وتهدد السلامة العامة لشعبه، وتؤكد سعي طهران المتواصل، والتي بات مستقبلها الاقتصادي على المحك، إلى الحفاظ على تأثيرها في العراق وزيادته عبر الاستثمار في مخططات ومشاريع على صلة بالقوى العسكرية الموالية لها، خاصة أن الحكومة العراقية في مواقف عدة أثبتت عدم قدرتها حتى الآن على ضبط حتى أصغر المليشيات.
إن التأثير السلبي للجماعات المسلحة غير الخاضعة للرقابة والمدعومة من الخارج يتزايد على المدنيين العراقيين، وهذه نتيجة ينبغي على المجتمع الدولي أن يولي لها المزيد من الاهتمام عند التعاطي مع الأزمة العراقية، خصوصًا أن بعضها يحتفظ بمنشأة احتجاز غير قانونية، وبعضها الآخر ينفذ سياسة خارجية مستقلة في العراق، وغيرهما مهمتها عرقلة الانتفاضات والتظاهرات الشعبية ضد الفساد وضد سطوة المليشيات، ورابعها مليشيات قاتلة تقوم بتهريب المخدرات والسيطرة على المنافذ الحدودية وتهريب النفط وتغييب العراقيين والمتاجرة بأعضائهم البشرية.
إن العلاقة المتوترة للمليشيات العراقية مع القانون تجعلها فريقاً خارجاً عنه بشكل دائم ولا تقبل به، وغالباً ما تقوم المليشيات باستهداف وقتل الصحفيين والمتظاهرين، وصارت السجون "السرية" التي تديرها هذه المليشيات مصدر قلق للنشطاء وجماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
وتكره هذه المليشيات أن يُنظر إليها من قبل السكان المهتمين بسيادة القانون باعتبارها تقوم بأعمال إجرامية، لذلك حوّلت القطاع القانوني إلى ساحة معارك، كما أنها تجد حماية كاملة من بعض الأحزاب في الحكومة، وبعض الأحزاب الحاكمة لديها جناح في الدولة وفصيل مسلح خارج الدولة، وهي "ثنائية الدولة واللا دولة"، فالخزعلي مثلا يقول: "الحشد الشعبي سيبقى حتى ظهور الإمام المهدي".
من هنا يجب على الحكومة الأمريكية والجهات الفاعلة الدولية الأخرى أن تتعامل بحزم مع مخاطر استخدام الأسلحة الثقيلة، فمليشيا "الحشد الشعبي" لا تحتاج مثلا إلى مدفعية صاروخية، لذا وجب الإعلان عن جميع هذه الأسلحة وتفسير وجودها وتوثيقها ونقلها تحت سلطة الحكومة إلى خارج المدن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة