كلمتان جديرتان بالتوضيح والبيان قبل الدخول في مغزى مضمون هذا العنوان، هما "التطرف" و"النهاية".
فالمقصود بالتطرف هو فقدان الموقع الأوسط، والتقوقع في طرف من الأطراف، وحيث إن الحكمة هي وسط بين رذيلتين، فإن التطرف هو عكس الحكمة، ومن ثم فهو رذيلة، لأنه يفقد ميزان الوسطية، ويتقوقع في ركن بعيد عنها، ومن ثم يأتي الانغلاق على وجهة نظر واحدة، ورؤية منفردة، دون الأخذ في الحسبان بأن هناك رؤى أخرى، ووجهات نظر متعددة ومتنوعة لنفس الموضوع ولذات القضية.
فالتطرف يعني الإمساك بوجه واحد للحقيقة، والقتال دونه على اعتبار أنه هو "كل الحقيقة".
أما "النهاية" في المصطلح السياسي فلا يقصد بها هنا السقوط والزوال والاختفاء، وإنما يقصد بها "نهاية المرحلة"، أو "نهاية الحالة"، فللقوة نهاية لا تكون بالدمار والانتهاء، وإنما تكون بفقدان الموقع الأقوى، والنزول إلى موقع آخر، ولو أدنى منه قليلا، وللضعف نهاية لا تكون بالفناء، أو بالصعود للقمة مرة واحدة، وإنما تكون بمجرد التحرك من موقع الضعف إلى موقع أفضل ولو قليلا.
والتاريخ السياسي للعالم يقول لنا إنه لم تدخل دولة من الدول، أو أيديولوجية من الأيديولوجيات، في حالة التطرف، إلا كان ذلك بداية لنهاية مرحلة كبيرة من مراحل تطورها، أو نهاية كاملة لوجودها، وتحولها بعد ذلك إلى حالة أو حالات أخرى كالتفكك والانقسام، أو الذوبان في كيان أكبر.
ذلك لأن حالة التطرف أو التشدد تستهلك روح الأمة، وتقودها إلى حافة المنحدر، فتكون أقرب إلى السقوط وأبعد عن حالات الاستقرار، وهذه الحالة تُخرج أسوأ ما في نفوس شعبها، وتطلق كل نوازع الشر والطغيان في مواطنيها، وتفقدهم البعد الإنساني الأصيل الذي يقوم على التوازن والوسطية والاعتدال.
فلم تدخل أمة من الأمم في حالة التشدد الديني أو العنصري القومي إلا كانت نهايتها محتومة، ولم تؤسس أيديولوجية على الحدية والإطلاق والتطرف، إلا كانت نهايتها من ذاتها، وحملت في طياتها بذور فنائها.
ولعل نماذج النازية في ألمانيا، والشيوعية في الاتحاد السوفييتي، والقومية المتعصبة، حالات عالمية شاهدة على ما سبق توضيحه.
لذلك فإن حالات التشدد، التي نراها تتصاعد في إيران مثلا، ستقود الدولة إلى نهايات محتومة، لأنها جمعت بين أسوأ رذيلتين، التعصب العنصري القومي والتشدد الديني، والدولة في هذا المثال المذكور تسعى إلى فرض هاتين الرذيلتين على المجتمع بالقهر والاستبداد، وعلى المجتمعات المجاورة بالعنف وقوة السلاح.
إن الانتخابات الأخيرة في إيران تمثل نقطة فارقة في تاريخ هذا البلد، وهي أن النظام الإيراني كتب بنفسه نهايته، وربما يكون الرئيس الجديد آخر رئيس من المؤسسة الدينية، فقد يضع نهاية للدور السياسي لهذه المؤسسة، وسوف يخرج هناك بعد ذلك مجتمع قد يكره كل شيء يذكره بهذه المؤسسة الدينية، حتى الدين نفسه، ولذلك ربما تشهد هذه الدولة موجات هائلة من الإلحاد.
الأمر نفسه ربما ينطبق على تركيا، التي لن يكون لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم دور فيها بعد الانتخابات القادمة، سواء عُقدت في موعدها 2023، أو تم تنظيمها قبل ذلك، فالتطرف آفة تؤذن بخراب الدول ونهاية الحقب والنظم والأيديولوجيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة