لا أحد يستطيع الإعراض عن واقع الانفجارات والحرائق التي تطال منشآت اقتصادية إيرانية بصورة متكررة، ما يكفي ليثبت أنها مجرد وسيلة أخيرة.
باتت الدولة الإيرانية مغلقة على أركانها، تقف أمام كل إمكانيات الإصلاح، وتُصعّب على الناس سُبلَ الحياة الكريمة، وهذا ما لم يُبق فسحة للتغيير إلا بوسائل غير مسبوقة.
انظر في الحرائق والانفجارات المتوالية، التي تندلع ببعض أبرز المنشآت الحيوية هناك، وسترى أنها من فعل مقاومة شعبية أيقنت أنها لا تملك سبيلا آخر لكي توصل كلمتها.
يعرف الإيرانيون أن تلك المنشآت هي جزء من اقتصاد بلادهم، ولكنهم يعرفون أيضًا أن ثمراتها لا تعود عليهم إلا بالخسارة والضرر، لأنها تُبقي أدواتِ التسلُّط فوق رؤوسهم.
الإيرانيون كانوا سبّاقين بالاحتجاجات، التي اندلعت في 12 يوليو 2009، وتم قمعها بالحديد والنار.
ما حصل في تلك الأيام هو أن أدوات السلطة عمدت إلى تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لكي يفوز أحمدي نجاد، مرشح "المرشد"، في ذلك الوقت، وتُملي الهزيمة على معارضَيْن، هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي، اللذَان كانا ينطويان على جرأة في الانتقاد أكبر من المعتاد.
هذه الاحتجاجات، التي دامت نحو ستة أشهر وانتهت بإقامة جبرية لـ"موسوي" و"كروبي" حتى يومنا هذا، ظلت تتكرر عامًا بعد عامٍ، وكان يتم سحقُها بمجازرَ واعتقالات جماعية وإعدامات.
المجزرة، التي ارتُكبت ضد احتجاجات عام 2019، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1500 متظاهر في ليلة واحدة بالرصاص في الشوارع، سطرت القول الأخير بأن أدوات القمع في إيران لن تتزحزح عن سلوكها، ولن يمكن التخلص منها أو إصلاحها، لا بانتخابات، ولا بمعارضة سلمية، ولا بنصيحة، ولا بانتقادات، لا من داخلها ولا من خارجها، فهي لن تُصغي إلا إلى طنين أذنيها.
لقد افترضت السلطات الإيرانية أن ما جرى من قمع لاحتجاجات 2009 و2010 كان "نجاحًا" ضد "الحركة الخضراء"، ما جعل قناعتها السائدة أن العنف الشديد هو السبيل الوحيد لفرض الخنوع على الذين يقفون في وجه ما يسمونه "محور المقاومة".
ولئن انتهى الأمر بمأساة، تساوي في ثقلها وخسائرها المادية والبشرية ما يعادل إلقاء قنابل نووية عدة، فإن ذاك المحور احتسب أن النصر فوق بحر من الدماء خيرٌ من أدنى تنازل يقدمه لإرضاء الداعين إلى الإصلاح، بل خيرٌ من التعايش مع أي صوت آخر.
إن التمادي في هذه الرؤية هو ما دفع "مجلس صيانة الدستور" إلى استبعاد كل الذين يهمسون بالحاجة إلى الإصلاح من انتخابات الرئاسة الإيرانية المزمعة في الثامن عشر من الشهر الجاري، حتى لو كانوا من تلاميذ المؤسسة الدينية وأركانها وإداراتها.
وعندما تعالت الانتقادات وتجاوزت في لغتها حدود المحاذير، حاول "المرشد الأعلى" أن يستدرك بالقول "إن هناك ظُلما وجفاءً تعرَّض له بعض طالبي الترشيح للانتخابات الرئاسية"، إلا أن الوقت فات على الاستدراك، فالكل يعرف، على أي حال، أن الترشيحات خرجت من بين يدي "المرشد"، وأن الظلم ظلمه، وهو بالطبع يتعدى استبعاد مرشحين أو تفصيل انتخابات على المقاس الذي يشاء.
إن الإصلاحيين الذين فازوا بالرئاسة لنحو 24 عاما من مجموع 42 عامًا، لم يغيروا شيئًا في واقع أن السلطة الحقيقية ليست مما يملكون، وإن مصادر القرار والمصائر إنما تتقرر في غرف الخفاء ومن خلف الحُجُب.
أحمدي نجاد صار يتحدث عن "عصابة فاسدة" تهيمن على المؤسسة الأمنية، وعندما خاض المرشحون لانتخابات الرئاسة مناظرة فيما بينهم، تبادلوا الاتهامات بالخيانة والفشل، وأثبت كلٌّ منهم للآخر كم أنه لا يقدر على إصلاح ما تراكم من خراب.
النظام "الديني"، الذي بدأ بقمع رجال دين يحملون ألقاب "آيات الله" بسبب اختلاف في الرؤية، كان من السهل عليه أن يسحق كل الناس.
سبل التغيير السلمي ضاعت في هذا المسار الكارثي، حتى لم يعد بوسع الضحايا أن يفعلوا أكثر من أن يحرقوا كل ما يمكنهم أن يطالوه، بعد أن احترقوا هم بجحيم الفقر والبطالة والحرمان، بمقدار ما احترقوا بجحيم النار والرصاص وأعواد المشانق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة