تبدو جليةً للجميع تلك السياسة المكشوفة، التي تمارسها الأقطاب المهيمنة على القرار الإيراني.
وفي قمة هرمها المرشد الأعلى والقوى الأبرز المتحكمة بهذا القرار في قيادة الحرس الثوري وأجهزته المتعددة داخل حكومة الظل في إيران.
أطراف هذه السياسة يبرعون في أدوارهم، التي تتيحُ للمرشد نفسه أن يطالب بالتعويض عن المرشحين الإصلاحيين المستبعدين بقرار مجلس صيانة الدستور، وذلك حتى تُهيئ له أن يبكي عليهم ظاهريًّا، مطالبًا برفع الظلم والضرر الذي لحق بهم.
وسينبري رجل الدين المتشدد، أحمد جنتي، للردِّ على المرشد الأعلى، معتبرًا أنّ مصداقية قرارات مجلس صيانة الدستور باستبعاد المرشحين "عالية وتستند إلى معطيات سرية يتم التأكد من صحتها".
إنها حيلة مكشوفة يتضح الغرض منها بإقناع المترددين من غالبية أبناء الشعب الإيراني بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، مع دعمها بفتوى المرشد، التي تحرّم عدم المشاركة في الانتخابات، أو حتى اللجوء إلى ورقة بيضاء في التعبير عن لا مبالاة الناخب بما ينتج عن العملية الانتخابية من معطيات، فما يقوم على باطل فهو باطل حكمًا، وما تم من استبعاد، وحصار، ممنهج طوال سنوات، خاصة منذ انتفاضة عام 2009، تخشى الدولة الإيرانية أن تُستعاد تجربتُها بحذافيرها مع الانتخابات الحالية، فمع قمع الحركة الإصلاحية الإيرانية يومها، والتلاعب بنتائج الانتخابات، التي أعلنت السلطات الإيرانية فوز أحمدي نجاد بها، أعلن رئيس الوزراء الإيراني الإصلاحي الأسبق، مير حسين موسوي، بأنه تم تزوير النتائج، وهو الرجل الذي كان من أهم المطالبين بوضع حد لعزلة إيران الدولية والسير بالإصلاحات كضرورة ماسة لتحسين حياة الإيرانيين.
يومها تدخلت الأجهزة السرية للمرشد الأعلى في إعلان نتيجة مغايرة تمامًا، ليخرج بعدها الشعب الإيراني مطالبًا بالتغيير الجذري.
يبدو أنه تاريخ يعيد نفسَه، وسنرى قريبًا استماتة السُّلطة الإيرانية في الحفاظ على مواقعها داخليًّا وخارجيًّا، والتغطية على ما تريده لملايين الإيرانيين التوَّاقين إلى الحرية والعدالة والسلام، ولا أستبعد هنا أن نرى الأعلام الخضراء (لون أنصار موسوي في حركتهم الاحتجاجية عام 2009) مجددًا في شوارع كبرى المدن الإيرانية، وإنْ كنا لن نقرأ شعار "#أين_صوتي"، الذي طرحوه حينها، فهذه المرة لن يصوّتَ الإيرانيون ولا حتى بورقة بيضاء، بل ستشهد الانتخابات عزوفًا كبيرًا قد يزيد على نسبة سبعين بالمائة من الناخبين، فالإيرانيون اليوم باتوا أكثر إدراكًا أن تغيير الفساد لن يكون بالتمنيَّات ولا بالنوايا الحسنة، ولا حتى بالأوراق البيضاء، فالحكم القائم على تصدير الثورات والتدخل في شؤون دول الجوار، لن يكون أمامه إلا السير نحو الهاوية بخطوات واثقة، تحتّم عليه تحقيق العدالة الكاملة، وإلا فالانهيار والتفكك من الداخل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة