انشغل الباحثون والكتاب في السنوات الثماني الماضية بممارسة النقد العميق لتنظيم الإخوان ممارسةً وفكرًا.
مركزين بصورة أساسية على المخاطر، التي يمثلها هذا التنظيم على استقرار ووحدة المجتمعات، وعلى تماسك وفعالية الدول.
ولم يلتفت كثير من المهتمين بدراسة هذا التنظيم إلى مدى تأثير تجربة الحكم في مصر على مستقبله ومصيره المتوقع، وماهية الاحتمالات الممكنة لوجوده وقوته وفعاليته في السنوات المقبلة، خصوصا في ظل الممارسات والمواقف والتحولات الكبرى التي طرأت على جماعة الإخوان، وقيادتها، وشبكة علاقاتها الدولية، ومصادر تمويلها، وبنيتها التنظيمية بعد فشل استمرارها في السلطة لأكثر من عام واحد.
من بين الدراسات، التي تناولت تنظيم الإخوان، تبرز الدراسة التي أعدها الدكتور محمد شومان، أستاذ الإعلام المعروف، والتي صدرت عن "دار المعارف" بمصر تحت عنوان "مستقبل الإخوان في مصر".
تم تخصيص فصول الكتاب السبعة لتحليل فكر وممارسة تنظيم الإخوان، خصوصا بعد يناير 2011، من منظور انعكاس كل ذلك على مستقبله، ومن خلال تحليل الخطاب الإعلامي للتنظيم في تلك الفترة، وبالاسترشاد بعينات معبرة ودالة من خطاب قيادات التنظيم ووسائله الإعلامية منذ حسن البنا، فقد خلص الدكتور "شومان" إلى أن أكثر الاحتمالات قابلية للتحقيق في السنوات العشرين القادمة أن هذا التنظيم سيكون مصيره درجة من درجات الزوال الوجودي، بحيث يفقد قدرته على التأثير والفعالية كتنظيم، ولكنه قد يستمر ككيان غير فاعل، أو يتشرذم ويتفكك بحيث يكون في كل الأحوال عديم التأثير محدود الفعالية.
يكتسب تحليل الدكتور "شومان" مصداقيته من قدرته على الإمساك بالمفاصل النظرية والفكرية العميقة في الظاهرة الإخوانية، فيخلص إلى أن سر الفشل المتتالي لجماعة الإخوان يعود إلى أنها تقوم على قاعدة "التنظيم قبل التفكير"، بحيث أصبحت وحدة الجماعة وقوة التنظيم أولوية شبه مقدسة تفوق ممارسة الفكر والتجديد، والدعوة والعمل بين الناس.
من هنا لم تُطرح مبادرات فكرية أو سياسية تخرج عن أفكار المؤسس حسن البنا، والتي أنتجها ومارسها في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
ولم تتبنّ قيادة الجماعة أفكارًا جديدة، بل اعتبرت أي تجديد فكري أو تنظيمي "نوعًا من الخروج عن وحدة الجماعة ومحاولة لشق الصفوف".
وتخلص الدراسة إلى "أن أحد أهم أسباب فشل حكم الإخوان هو قناعتهم الزائفة بأنهم من القوة والتأثير بحيث يصعب هزيمتهم أو الإطاحة بهم"، لذلك ما أن وصلوا إلى السلطة حتى كان كل همُّهم "الهيمنة على مؤسسات الدولة"، وهذا بدوره أحدث تأثيرين عميقين ومتناقضين في بنية الجماعة:
الأول، رغبة أو طموح كثير من عناصرها للحصول على المكاسب بعد سنوات من المطاردة والهجرة.
وربما يفسر هذا الطموح جموح وتسرع الإخوان للهيمنة على المناصب القيادية التي تتحكم في مفاصل الدولة.
والثاني: اشتعال الصراعات الداخلية والتنافس الحاد والمدمر بين قيادات وأفراد الجماعة على توزيع المكاسب والغنائم من مناصب في مؤسسات الدولة، والمزايا المادية والمعنوية، فقد أدى الشعور بغياب التحدي و"مناخ المحنة"، بحسب تعبيرات الجماعة، إلى اشتعال الخلافات والصراعات.
هذا الشعور بالاستقواء المصحوب بطموحات شخصية في الاستحواذ على مؤسسات الدولة على أساس أنها غنيمة من الغنائم، حصل عليها التنظيم بفعل انتصاره على النظام السياسي المصري بعد ثمانين سنة من المواجهة، دفع التنظيم إلى خوض معركة خاسرة مع النخبة المثقفة في مصر، حيث يرصد الدكتور "شومان" أن "البلاغات التي قُدِّمت ضد الإعلاميين في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، بلغت في ستة أشهر فقط أربعة أضعاف ما شهدته الأعوام الثلاثين من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، و24 ضعفًا لعدد القضايا المشابهة التي شهدتها فترة تولى الرئيس الأسبق أنور السادات، وأكثر من كل حكام مصر منذ العمل بالمادة التي تجرّم إهانة رأس الدولة، قبل أكثر من 100 عام، فقد لاحقت جهات التحقيق 24 صحفيًا وكاتبًا في 24 قضية وبلاغًا بتهمة إهانة الرئيس خلال 200 يوم فقط، وهكذا تولدت آلية ثأرية، إذا جاز القول، بين الطرفين، فكلما وقعت أخطاء أو تجاوزات في التغطية الإعلامية ضد مؤسسة الرئاسة والجماعة، توسع الرئيس وقيادات الجماعة في ملاحقة الإعلاميين قضائيًّا وإداريًّا".
يخلص الدكتور "شومان" إلى احتمالين حول "استشراف مستقبل جماعة الإخوان خلال العشر سنوات القادمة"، الأول: أن قوة مؤسسات الدولة المصرية ونجاحها في إنجاز مشروعات التنمية وخفض معدلات الفقر والتهميش الاجتماعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي، هي شروط بالغة الأهمية في تحديد سيناريوهات مستقبل جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات، لأن من شأن نجاح مشروعات التنمية تجفيف البئيات الحاضنة لخطابات الجماعات الإسلاموية.
الثاني: أن كل السيناريوهات المتوقعة لمستقبل جماعة الإخوان خلال السنوات العشر، وربما العشرين القادمة، لا يمكن أن تسمح بعودة الإخوان كما عادوا في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كما لم تسمح باستعادة قوتهم وأنشطتهم ومشاركتهم المراوغة في البرلمان والنظام السياسي والحياة الاقتصادية كما كانت عليه أيام حكم مبارك، لأن الظروف الاجتماعية والسياسية تغيرت داخل مصر والمنطقة العربية، وجرَّب المصريون فشل وجشع الإخوان وهم في الحكم، لأن التاريخ لا يكرر نفسه، وبالتالي لا يمكن تصور أو توقع عودة قريبة للإخوان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة