على الرغم من خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض بسبب فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.
يرى الكثير من المراقبين أن التطورات الأخيرة تؤكد أن مؤيدي ظاهرة ترامب أو ما يُطلق عليها "الترامبية" لا يزالون مؤثرين داخل الحزب الجمهوري في السنوات القادمة. ولفهم أسباب استمرارية وهيمنة ظاهرة ترامب على قواعد الحزب الجمهوري، خصوصاً على مستوى الولايات الغربية والجنوبية وفي أوساط الطبقة العاملة والوسطى ما يعرف بـ"البيضاء المسيحية"، ولذلك أرى أنه لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: هناك كتلة من الناخبين من الطبقة العاملة والوسطى البيضاء لديها مطالب حقيقية، ولم تجد تياراً آخر يعبر عن احتياجاتها ويمثل مطالبها. وقد تأثرت الطبقة العاملة والوسطى البيضاء، بشكل سلبي، من سياسات العولمة والتجارة الحرة والهجرة والتمييز الإيجابي التي تبنتها الحكومة الأمريكية في العقود الأخيرة.
ونجح ترامب -دون غيره- في فهم طبيعة احتياجات تلك الكتلة، وتبنى سياسات تتوافق مع مصالحها، وفي مقدمتها سياسات تقييد التجارة الحرة، لا سيما مع الصين، ووقف الهجرة إلى الولايات المتحدة، خاصة من دول أمريكا اللاتينية. وحظيت هذه السياسات بدعم واسع من قواعد الحزب الجمهوري، ما يفسر قيام أكثر من 74 مليون ناخب بالتصويت له في الانتخابات الأخيرة، واستمرارهم في دعمه للانتخابات القادمة. وبالتالي فإن ترامب سيستمر تأثيره قوياً طالما لا تزال تلك الفئة قائمة.
ثانياً: يرى الكثير من المحللين أن ترامب هو المرشح الوحيد مؤخراً الذي نجح في تشكيل كتلة تصويتية ضخمة محافظة وشعبوية تجمع بين قطاع من النخبة الرأسمالية وقطاع من الطبقة العاملة ممن يرفضون سياسات العولمة والتجارة الحرة والهجرة، وقطاع من الطبقة الوسطى الأمريكية المسيحية المحافظة المناهضة للتعددية الثقافية والتمييز الإيجابي. ولا تزال تلك الكتلة المحافظة الشعبوية قادرة على تحقيق الأغلبية في الانتخابات القادمة بسبب قاعدتها الواسعة، ورغبتها في تولي مَن يمثلها في ظل ارتفاع الدين العام إلى مستوى غير مسبوق، وكذلك الأزمات الاقتصادية وانتشار وباء كورونا وتداعياته.
ويعني ذلك أن سيستمر تأثير ترامب في الحزب الجمهوري بعد خروجه من البيت الأبيض، لأنه نجح في استمالة التيارات التي تمثل أغلبية القواعد الانتخابية، التي كانت مهمشة سابقاً لصالحه. وبالتالي فإن خروج ترامب من البيت الأبيض في يناير 2021 لن ينهي نفوذه السياسي داخل الحزب الجمهوري، وتحديداً القواعد الانتخابية والشعبية للحزب التي تعلقت بخطابه السياسي وأفكاره الوطنية القومية، ما يُعد اعترافاً صريحاً بأن رئيس اليمين القومي الأمريكي قد صنع بالفعل نهجاً وتياراً سياسياً يطلق عليه "الترامبية" وهي المرة الأولى التي يغادر فيها رئيس أمريكي منصبه، ولكنه لا يزال يتمتع بكل هذه الشعبية.
معظم المحللين في واشنطن يرون أن هناك عدة آليات يتبناها ترامب من أجل استمرار تأثيره على الحزب الجمهوري، ويمكن أن يتم إيضاحها على النحو التالي:
١- مهاجمة كبار قادة الحزب: فقد أتاحت شعبية ترامب الكاسحة بين قواعد الحزب الجمهوري فرصة له بمهاجمة كبار قادة الحزب الذين لا يوافقونه الرأي. وكان من بين هؤلاء القادة حاكم ولاية أوهايو مايك دي واين لعدم دعمه مزاعم ترامب بتزوير الانتخابات، وعلى الرغم من أنه مؤيد لترامب، كان دي واين أحد الجمهوريين الأوائل الذين أقروا بفوز بايدن في الانتخابات. ودفع هجوم ترامب على دي واين بعض الجمهوريين إلى محاولة عزله من منصبه بسبب القيود التي فرضها على الولاية، التي تشهد حالياً أعلى معدلات الإصابة بفيروس كورونا.
٢- شن حملة ضد الأعضاء الذين صوَّتوا لصالح مشروع قرار عزله ومحاكمته: حيث قام ترامب وأنصاره بشن حملة ضد الأعضاء الجمهوريين العشرة الذي صوَّتوا لصالح مشروع قرار عزله ومحاكمته، كما تم تهديد هؤلاء الأعضاء بدعم مرشحين منافسين لهم في انتخابات التجديد النصفي المقبلة بالكونجرس عام 2022.
وأسفرت هذه الإجراءات ضد معارضي ترامب من الجمهوريين عن تراجع الكثير من قياداته عن انتقاده أو معارضته خوفاً من التأثير على قواعدهم الانتخابية في انتخابات التجديد النصفي المقبلة عام 2022، وكذلك قيام ترامب وأنصاره بدعم مرشحين منافسين لهم.
وبشكل عام، يُعد تصويت الأغلبية الساحقة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح تبرئة ترامب مؤشراً على نفوذه الذي لا يزال يحافظ عليه ضمن حزبه. وفي إشارة واضحة إلى دعم الحزب لترامب، واجه الجمهوريون العشرة الذين صوتوا لعزل ترامب أيضاً رد فعل عنيفاً في ولاياتهم الأصلية وأيضاً من أعضاء حزبهم في الكونجرس.
٣"- الانتقام السياسي" من المنافسين الجمهوريين: حيث أكد ترامب على ما يتمتع به من نفوذ سياسي قوي في صفوف الجمهوريين مع إزاحة العضو المحافظة (ليز تشيني) الخصم اللدود للرئيس الأمريكي السابق، من منصبها القيادي بالحزب كمسؤولة ثالثة في كتلة الحزب الجمهوري التشريعية بموافقة 212 عضواً من الجمهوريين بمجلس النواب، لتحل محلها العضو الشابة الموالية للرئيس السابق إيليز ستيفانيك.
في النهاية، يمكن القول إنه على الرغم من استمرار سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري؛ فإن ذلك لا يعني أن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة ممهدٌ للغاية، بل هناك الكثير من التحديات التي تواجهه ومنها الانقسامات داخل الحزب الجمهوري حول تأييده، لا سيما بعد اقتحام أنصاره لمبنى الكونجرس، بالإضافة إلى ضرورة تواصله مع قاعدة كبيرة من الناخبين، وسيتحقق ذلك من خلال عودة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لما لها من أهمية كبيرة في دعم النفوذ السياسي للمرشحين في العصر الحالي، بالإضافة إلى المحافظة على القاعدة الانتخابية المؤيدة له ومحاولة توسيعها. وبالتالي، يبقى مستقبل الحزب نفسه غير واضح المعالم، خاصة بين الدعم الكامل لترامب من العديد من أعضائه في ظل محاولة البعض الآخر الابتعاد عن صورته للحفاظ على مستقبلهم السياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة