رغم قرار تركيا الأخير، بوقف برامج إعلاميين ينتمون للإخوان، كضربة موجعة للتنظيم، فإن الحكم على فاعلية القرار يتوقف على مدى تنفيذه فعلا.
فهذه ليست المرة الأولى، التي تتخذ فيها السلطات التركية مثل هذا الإجراء، فقد سبق أن أعلنت في شهر مارس الماضي عن إجراءات مماثلة، حينما طلبت من القنوات الإخوانية، التي تبث من أراضيها، التوقف عن مهاجمة الدولة المصرية، وقصر تغطياتها على الشؤون الترفيهية والمنوعات، إلا أن هذه القنوات لم تلتزم، وسرعان ما عاودت شن هجومها على مصر، مواصلة نهجها التحريضي ضد الدولة والتشكيك في إنجازاتها.
وحال أصرت السلطات التركية هذه المرة على التزام القنوات الفضائية الإخوانية بالتعليمات الجديدة، والتوقف عن التحريض السياسي وبث خطاب معاد للدولة المصرية، فإنها ستفاقم مأزق الإخوان، خاصة إذا تم الأخذ في الاعتبار تلك الأهمية المركزية، التي يوليها تنظيم الإخوان للإعلام، باعتباره من أهم أدوات تنفيذ مشروعه الفكري والسياسي.
كما سيترتب على هذه التعليمات خسارة التنظيم أهم حاضنة سياسية وإعلامية، كانت تمثل بالنسبة له الملاذ الآمن طيلة السنوات الماضية، وأهم عوامل بقائه بعد ثورة 30 يونيو 2013، حينما فرّ معظم قيادات التنظيم الإخواني والعديد من كوادره الشابة إلى تركيا، التي قدمت لهم التسهيلات وساعدتهم على تكوين "منظومة إعلامية"، تضمنت قنوات فضائية ومواقع ومنصات رقمية، ليدافع بها التنظيم عن نفسه من ناحية، ويهاجم الدولة المصرية من ناحية ثانية، عبر التحريض عليها وتشويه صورة نظام الحكم فيها، في محاولة يائسة للعودة مجدداً إلى المشهد السياسي.
الأزمة التي يواجهها الإعلام الإخواني اليوم ليست وليدة الإجراءات التركية الأخيرة، وإنما هي نتاج للتحولات التي شهدها التنظيم خلال السنوات الأخيرة وتنامي الانشقاقات الداخلية به والصراع على القيادة بين الأجيال القديمة والوسطى والشابة، والتي ألقت بظلالها السلبية على إعلام الإخوان، الذي دخل على خط هذا الصراع، وباتت بعض القنوات الفضائية للتنظيم تستضيف عناصر إخوانية توجه اتهامات صريحة لهذه القيادات، باعتبارها المسؤولة عما آلت إليه أوضاع الإخوان منذ 30 يونيو 2013 حتى الوقت الراهن، فضلاً عن الخلافات التي برزت على السطح بين القيادات الإعلامية الإخوانية، والاتهامات التي وجهت إليها من جانب شباب التنظيم بالتخلي عنهم، ناهيك بما أثير عن فساد ومحسوبية طالت عملية إدارة منظومة الإعلام الإخوانية، خاصة في عمليات التوظيف وتخصيص أموال طائلة لقيادات لم تقم بأي أدوار، وذلك على حساب عناصر الشباب، الأمر الذي انعكس بالسلب على التنظيم نفسه ومنظومته الإعلامية، التي فقدت تأثيرها في الشارع، ولم تعد تتمتع بأي مصداقية، بعد أن انكشفت حقيقتها وطبيعة الأهداف الخبيثة التي تسعى إلى تنفيذها.
وحال أثبتت تركيا أنها جادة في فرض قيود صارمة على منظومة الإعلام الإخواني، التي تبث من أراضيها، فإنها بذلك تكون وجهت ضربة قاصمة لـ"الإخوان"، لاعتبارات عديدة، أولها أن عملية البحث عن حاضنة بديلة عن تركيا ربما تستغرق بعض الوقت، وهذا من شأنه إضعاف -إن لم يكن تجميد- المنظومة الإعلامية للإخوان مؤقتاً، وعجزها عن القيام بدورها، وثانيها تنامي حالة القلق العربي والدولي من الخطاب الإعلامي للإخوان، والذي ينطوي على تهديد واضح للدولة الوطنية وهدم مرتكزاتها، فضلاً عن معاداته لقيم التسامح والتعايش، ولعل هذا يفسر تحرك بعض الأوساط السياسية والأمنية في أوروبا في نوفمبر 2020 لمطالبة شركتي "جوجل" و"آبل" بحذف تطبيق "يورو فتوى" من متجريهما، بعد اتضاح حقيقة أن هذا التطبيق يروج لتطرف "الإخوان" في أوروبا.
خطورة هذا التطبيق لا تكمن فقط في كونه يحث على عدم الالتزام بالقانون في الدول الغربية، ويستهدف الشباب والمراهقين، ويسعى إلى اختراق المجتمعات الأوروبية، وإنما أيضاً في تزايد الإقبال عليه، حيث لا يزال يحتل مراكز متقدمة من بين أكثر التطبيقات استخداما في دول أوروبية عدة.
وثالثا، تلك التحركات الأوروبية الأخيرة، التي تستهدف تقييد الأنشطة الإخوانية، ففي فرنسا مثلا حذر مجلس الشيوخ عام 2020 من تغلغل الإخوان في جميع جوانب الحياة الاجتماعية، مستفيداً من أجواء الحرية الفردية، وطالب بفرض رقابة على الأنشطة الإخوانية، فيما فرضت الحكومة النمساوية رقابة على أنشطة الإخوان، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لها وتوثيق علاقاتها بنشر التطرف.
مأزق الإعلام الإخواني هو أحد جوانب الأزمة الشاملة، التي تواجه التنظيم ككل، وهي أزمة مركبة تطال شرعية الإخوان كتنظيم وقدرته على التأثير والحركة، نتيجة ما يعانيه من صراعات داخلية بين قياداته، وفشل رهانه على الاستفادة من التطورات الإقليمية والدولية، وهي تطورات لم تعد مواتية لعودة الإخوان إلى المشهد السياسي، بعد أن انكشف مشروعها لجميع شعوب المنطقة، التي باتت على قناعة اليوم بأن تنظيم الإخوان يقف وراء حالة الفوضى، التي تشهدها دول بالمنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة