منذ إعلان الأتراك رغبتهم في تطبيع العلاقات مع مصر في مارس الماضي، سيطر غموض على تفسير ردات فعلهم.
فرغم أن الرغبة في تطبيع العلاقات مع مصر بدأت من أعلى السلطة في تركيا، ثم أعقبها جلسات مكثفة وتصريحات مطمئنة، ثم زيارة وفد دبلوماسي يومي الخامس والسادس من مايو الماضي، قيل إنها كانت "مثمرة وعميقة"، ظهرت بعدها التصريحات التركية المتناقضة.
تابعنا بعض الخطوات، التي استقبلتها مصر بترحيب، خصوصا تحجيم عمل الذراع الإعلامية للإخوان في تركيا، لكن الالتباس الذي يحدث يأتي دائما من الجانب التركي أيضا في تناقض واضح لتصريحات مسؤوليه.
فالذي قرأ ما كتبه "ياسين أقطاي"، المستشار المقرب من الرئيس التركي، يتأكد له أن العلاقات بين الجانبين لن تتحسن سريعا، فالرجل يصعّد في لغته مهاجما، وفي جزء من مقالاته يقول: "من الخطأ الاعتقاد بأن الرسائل الصادرة من تركيا دليل على خوف الأتراك من مصر، وأن تركيا مجبرة أو مضطرة لتطبيع العلاقات مع مصر".
في الوقت نفسه، مَن يستمع إلى تصريحات تشاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، يرى أن العلاقات "عادت بالفعل"، فقد أعلن الرجل اقتراب عودة سفيري البلدين، لكن نظيره المصري، سامح شكري، رد عليه قائلا: "هناك تقدم نقدره، لكن عودة السفراء والعلاقات الكاملة تخضع للتقييم والرصد".
والحقيقة، هذا موقف ثابت لمصر منذ الإعلان عن بداية جلسات الحوار المصري التركي، فالموقف المصري يوصف بـ"العقلانية"، لأن السياسة تنتظر أفعالا، لا تصريحات، فهناك ملفات موضوعة على الطاولة، ويعلن الجانب المصري أنه في اللحظة التي نتلمس فيها تطورا أو إنجازا فعليا سنبدأ في التطبيع الكامل.
وعلى سبيل التناقضات التركية أيضا، نقرأ تصريح عمر جليك، المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، والذي قال فيه: "لا يمكن أن نكتب التاريخ في المنطقة دون وجود مصر".. مَن نصدق إذا؟ ياسين أقطاي، مستشار أردوغان، أم عمر جليك المتحدث باسم الحزب الحاكم؟
موقف آخر قلب طاولة النقاش، وهو الزيارة، التي قام بها وزير الدفاع التركي إلى لييبا، منتهكا كل الأعراف الدبلوماسية، فقد هبط على الأراضي الليبية دون علم وإذن مسبقين من الحكومة الليبية أو المجلس الرئاسي.
وهناك أطلق الوزير التركي تصريحا مربكا، يتعلق برفضه خروج القوات التركية من ليبيا أو حتى تقليل أعدادها، دون إشارته إلى المرتزقة، وتأكيده أن القوات التركية "ليست قوات أجنبية"، بل موجودة بناء على الاتفاقية الأمنية، التي وقعها مع "السراج".
ليبيا هي الملف الأبرز لمصر في الحوار مع الأتراك، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الملفات في مقدمتها: ترحيل قادة الإخوان الهاربين في تركيا، وتسليم المطلوبين منهم في أحكام جنائية، فضلا عن الانسحاب من ليبيا وسوريا والعراق، إذ تمثل مصر بهذا الشرط رأس حربة لموقف عربي موحد تجاه التوسعات التركية في المنطقة.
بعد عامين من الآن سيجيء عام 2024، وهو العام الذي تحدث "أردوغان" عنه بأنه سيشهد عودة الحلم التركي، لكن هذا الحلم يبدو قد تلاشى.
الارتباك والتناقض في الموقف التركي يقابله ثبات ووضوح في الموقف المصري، فتركيا تصرح كثيرا، ومصر تسير على ورقة عمل استراتيجية محددة ودقيقة في شروط لا تراجع عنها، أو كما أعلن وزير الخارجية المصري أن المواقف "تُحسب بما يحدث على أرض الواقع وليس بما يقال من تصريحات".
تركيا واقعة تحت ضغوط عديدة، إذ تكاد تبدو مختنقة في الجغرافيا السياسية وموازين القوى العالمية، لذا يبقى تطبيع العلاقات مع مصر هو بوابة الخروج الآمن لتركيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة