أمريكا ستتغيّر فعلاً، ولكن بالقدر الذي يخدم مصالحها ويحقق أهدافها الوطنية، أمّا ما عدا ذلك فهو ليس إلا مجرّد أماني
خلال مؤتمره الصحفي الأخير، كرئيس للولايات المتحدة، شدّد الرئيس أوباما على أنّه نفذ جانباً مهمّاً من وعوده الانتخابية، واستبدل شعاره الانتخابي «نعم نستطيع» بشعار لا يختلف عنه في المضمون وهو «نعم لقد فعلنا». وبعد سويعات من خطاب الوداع، خرج الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ليتحدّث عن وعوده التي سيسعى إلى تحقيقها، وعلى رأسها إعادة القوة والعظمة للولايات المتحدة.
غداً سيكون يوماً جديداً في أمريكا، إذ ستنتقل الرئاسة رسمياً من أوباما إلى ترامب، في حفل سيشدّ النّاظرين والمراقبين في كلّ أنحاء العالم، وخاصة في العالم العربي، الذي يريد أمريكا على مقاسه. ولكن هل ستتغيّر الولايات المتحدة فعلاً؟
أمريكا ستتغيّر فعلاً، ولكن بالقدر الذي يخدم مصالحها ويحقق أهدافها الوطنية، أمّا ما عدا ذلك فهو ليس إلا مجرّد أماني لشعوب تراهن، على أن تنهض الولايات المتحدة باقتصادها وأمنها. أمريكا تتغيّر داخلياً مع كلّ حملة انتخابية جديدة، وكل رئيس يأتي للبيت الأبيض إلا وجلب معه نوعاً من التجديد والتغيير، وكثيراً من المصالح الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية لبلاده.
الرئيس الذي سيغادر غدًا، البيت الأبيض، تعطيه التقارير الاقتصادية علامات إيجابية في كثير من المجالات. فعلى مستوى التشغيل، استطاع أوباما أن يغيّر من واقع سوق العمل الأمريكية، وأن يوفر 11 مليون وظيفة خلال سنوات حكمه الثماني. يعني بما يزيد عن المليون وظيفة سنوياً. ويخرج أوباما من البيت الأبيض، وقد أمّن للأمريكيين نظاماً صحّياً جديداً هو الأول في تاريخ الولايات المتحدة، وهو المعروف ب«أوباما كير». فعندما يتحدث أوباما، في ختام ولايته الثانية، عن أنه حقق فعلاً ما وعد به، فلا أحد بإمكانه أن ينكر ذلك، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن أوباما قد غيّر فعلاً من واقع الأمريكيين، نحو الأفضل. ولكن هل أن عودة الرخاء للمواطنين الأمريكيين، تعني أن ذلك الرخاء قد مس فعلاً بقية شعوب العالم؟ الإجابة تكون بالنفي طبعاً. لأن أوباما، الذي يبدو حمامة سلام، يوصف بأنه أكثر رئيس قام بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من بلاده، والرقم الذي رصدته الجهات المختصة يذهب إلى تحديد نحو 3 ملايين شخص قد تم ترحيلهم في عهد أوباما. فهل سيفعل ترامب أكثر مما فعله أوباما؟
وفي الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد الأمريكي يستعيد عافيته، وسوق العمل تعود لها الحيوية والرخاء يدب في المجتمع الأمريكي، تعيش بقية دول العالم والقوى الاقتصادية أوضاعاً لم تعشها من قبل، ما جعل نسب الإحباط مرتفعة جدّاً في دول المجموعة الأوروبية، أما في الدول العربية فقد تكفلت محرقة الإرهاب المفتوحة منذ العام 2011، بتحويل الشباب المتعلم إلى مفرمة.
الرئيس الجديد، الذي سيباشر غداً عملية تغيير جديدة في الولايات المتحدة، لن يخرج عن الأهداف العامة وهي جعل أمريكا أكثر قوة، وأكثر حضوراً في العالم. وربما ستكون الطريق ممهّدة لترامب، لأن الاقتصاد الأمريكي قد دارت عجلته من جديد، وحقق له الانتعاش الذي سمح له بمغادرة منطقة الركود التي ما زالت اقتصادات عالمية أخرى تتخبط فيها. وترامب سيأخذ قطار الاقتصاد وهو يسير على سكة صحيحة، الأمر الذي سيسهل عليه إنجاز إصلاحات جديدة، ستراكم الثروة الأمريكية، وتزيد من خلق فرص العمل خاصة أن شركات عملاقة تعهدت، بأن تعود للاستثمار في الولايات المتحدة وأن تقود دورة صناعية جديدة.
الماكنة الأمريكية، تدور بنظام شديد التعقيد، ولكن الهدف الذي لا محيد عنه، يتمثل في الحفاظ على ريادة الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً، وعسكرياً إذا لزم الأمر. وإذا كان أوباما رئيساً متردداً في الخيار الثالث، فإن ترامب، سيكون الرئيس الذي لن يتردد لحظة في استعمال القوة العسكرية، لإثبات أن الولايات المتحدة لا تساوم على أمنها، وعلى مستقبلها. وترامب لن يكون مختلفاً عن الرؤساء الأربعة والأربعين الذين سبقوه، لأن مهمة ساكن البيت الأبيض واحدة، أياً كانت مرجعيته، جمهورياً أو ديمقراطياً، أو حتى فوضوياً.
وفيما يخصنا نحن العرب، فإن ترامب، تعهد مثل من سبقه إلى المكتب البيضاوي، بأن يكون حليفاً قوياً ل«إسرائيل»، وأن يعمل على دعم ترسانتها العسكرية، ولكن ترامب، تعهد أيضاً بأن يستكمل الخطوة التي عجز عنها أسلافه، وهي المتمثلة في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.
ولهذا فإن المراهنة على هذا الرئيس الأمريكي، أو غيره لنصرة المظلومين في فلسطين، هي رهان خاطئ، ويتسبب في إنتاج حلول خاطئة تزيد في تهميش القضية الأم، بل وتساهم في تضييع حقوق الشعب المحتل الوحيد في زمننا هذا.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة