«أليكس» طفل أميركي من مدينة نيويورك. يبلغ من العمر ست سنوات. كتب رسالة الى رئيس بلاده يطلب منه إحضار الطفل السوري «عمران» إلى بيته ليعيش معه ومع إخوته في سلام وأمان. فحمل الرئيس باراك أوباما الرسالة إلى مقر الأمم المتحدة وقرأها على مسامع قادة العالم وسادت
«أليكس» طفل أميركي من مدينة نيويورك. يبلغ من العمر ست سنوات. كتب رسالة الى رئيس بلاده يطلب منه إحضار الطفل السوري «عمران» إلى بيته ليعيش معه ومع إخوته في سلام وأمان. فحمل الرئيس باراك أوباما الرسالة إلى مقر الأمم المتحدة وقرأها على مسامع قادة العالم وسادته في الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة ثم عقب عليها قائلاً «فلنكن جميعاً مثل أليكس».
«عمران» طفل سوري من مدينة حلب يبلغ من العمر خمس سنوات. كان قد تناول العشاء مع إخوته فحمل أحلامه الجميلة وذهب إلى مهجعه لينام ويصحو على صبح لم يأت بعد.
فقد دكت قذائف الظلم والعدوان بيته فهدمته على من فيه، فقتل أخوه الأكبر وأخرج رجال الإنقاذ عمران من بين الشظايا والتراب والغبار فأقعدوه على كرسي في سيارة إسعاف لتنقل وسائل الإعلام مشهد طفل بائس رث الملبس جاحظ العينين مجروح القلب مصدوم النفس لا ينبس بحرف من هول الصدمة.
تناقلت وسائل الإعلام رسالة أليكس وأشبعتها تحليلاً وتفسيراً، كما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي الرسالة في داخل البلاد وخارجها فحصل «أليكس» على الثناء الكبير والمدح الكثير كما حصل هذا الطفل البريء على سمعة عالمية طيبة، فماذا حصل عليه الطفل عمران؟!
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها الواحد والسبعين -71- وكان المشهد السوري حافلاً ببؤسه وشقائه وآلامه وصواريخه وطائراته ودباباته وبراميله المحرقة وأشلاء أطفاله وشيبانه وعجائزه...... ثم ماذا حصل؟!
في عام 1997 أنشأت الجمعية العامة منصب «الممثل الخاص لشؤون الأطفال في الصراعات المسلحة». يسعى الممثل الخاص هذا إلى مراقبة ستة أنواع من انتهاكات حقوق الأطفال وهي: القتل، التشريد، العنف الجنسي، التجنيد العسكري، الاختطاف والحرمان من الحصول على المساعدات الإنسانية.
وبعد التأكيد على حصول هذه الانتهاكات يحدد الممثل الخاص الجهات المسؤولة ويرفع تقريره للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن. ماذا فعل هذا الممثل الدولي لعمران وأهله؟!
يواجه الشعب السوري اليوم حرباً ضروساً امتدت إلى أربع سنوات من القتل والدمار والتنكيل. يقودها النظام الحاكم والجماعات الإرهابية وتؤجج نارها أطراف دولية تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية وسياسية واقتصادية في القطر السوري الجريح.
كما يواجه عمران وأهله حرباً وصفها قادة العالم أنها بربرية وقد أصيب الأمين العام نفسه بالهلع من الوحشية التي يتعرض لها أطفال سوريا، حيث تصب على رؤوسهم صباحاً ومساءً قنابل وقذائف لم يسمع بها الأطفال من قبل، وبالإضافة إلي قنابل النابالم والقنابل الفسفورية يقذفون بالصواريخ الفراغية، وتلقى عليهم القنابل الحرارية والقنابل الارتجاجية التي تصل قوتها التدميرية إلى الملاجئ تحت الأرض.
فكانت حصيلة ذلك أكثر من ثلاثمائة قتيل و4.8 ملايين لاجئ ومشرد وتدمير 25% من المستشفيات والمدارس ودور العبادة.
تتناقل أجهزة الإعلام ووسائل التواصل كل يوم صوراً مفجعة، هزت مشاعر الناس وأوجعت قلوبهم، فاجتمع 91 دولة وممثلون عن هيئات الإغاثة ومنظمات غير حكومية في مارس الماضي في جنيف وعقدوا «مؤتمر اللاجئين السوريين» لأجل الفزعة ومد يد العون والمساعدة.... فماذا حصل؟!
فشل مجلس الأمن الدولي حتى الآن في تبني مشاريع ومبادرات لأجل إحداث تقدم دبلوماسي وسياسي وعجز حتى حينه في اتخاذ قرار لوقف الحرب السورية.
بل دخل المجلس في دوامة «الفيتوهات»، ففي اجتماعه الأخير يوم 7 أكتوبر الجاري شهد المجلس فيتو روسياً ضد المشروع الفرنسي قابله فيتو أميركي بريطاني فرنسي ضد المقترح الروسي واستمرت المذابح وتواصل تهجير عمران وأهله، ثم ماذا حصل؟!
اجتمع المعنيون بالشأن السوري يوم 16 أكتوبر الجاري في مدينة لوزان الفرنسية لبلورة أفكار لأجل وقف القتال في حلب. ثم أغلقت لوزان قاعاتها كما فتحتها فلا بيان مشترك صدر عن المجتمعين، ولا رؤية مشتركة واضحة للدفع نحو الحل السلمي. هكذا تعقد اجتماعات ماراثونية بعضها ثنائي ومعظمها جماعي «متعددة الأطراف». ثم ماذا حصل؟!
يؤكد كل ذلك غياب الحل السياسي الدبلوماسي وضعف الإرادة الدولية في وقف المجازر التي تنتهك كل مشاعر الاحترام للإنسانية وتعمق الجرح السوري الذي يثعب دماءً غزيرة. كما أن أزيز الطائرات في سماء حلب وأصوات الصواريخ ودوي الانفجارات على أرضها تبرز التدخل العسكري خياراً محتملاً حتى تضع الحرب أوزارها.
حفظك الله عمران من كل سوء ومكروه، وعذراً فإن مداد القلم يعجز أن يرفع البلاء عنكم.. فالسيف أصدق إنباءً من الكتب...
فهل من مدكر؟!
نقلًا عن صحيفة البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة