في 7 يونيو/حزيران الجاري وعشية إعلان ترشحه لانتخابات العام 2024 انشغلت الصحافة الأمريكية بتحليل الأطروحات التي يعلنها نائب الرئيس السابق دونالد ترامب والمرشح الحالي مايك بنس.
الذي أدهشني على المستوى الشخصي براعته في الجمع بين الظهور كمحلل اقتصادي وشخص متدين يطلب الحفاظ على أمن أمته الأمريكية وقيمها، وكأنه في ذلك يستنسخ تجربة الرئيس الأمريكي الشهير رونالد ريغان.
كثيرون لا يعلمون أن (مايك بنس) أحد الأعمدة البارزة لما يسمى داخل الولايات المتحدة بالإنجيليين الذين نراهم في ولايته يتصدرون المؤتمرات الخاصة بالحزب الجمهوري. وهو يقول عن نفسه دائما إنه مستقيم في عمله منذ دخل مجلس النواب العام 2001، وكثيرون كذلك يعترفون له بأنه متدين ملتزم يرى في الإيمان مساعدا على السياسة والانتصار فيها.
اليوم يضع الرجل نفسه في مواجهة رئيسه السابق وحتى وإن كانت مواقفهما موحدة خلال فترة رئاسة ترامب، فهما اليوم في مواقف متباعدة حتى في السياسة الخارجية.. ولا يمكن أبدا تشبيه مواقف بنس اليوم بمواقف ترامب؛ فالرجل يدعو مثلا إلى دعم هائل وفوري للدولة الأوكرانية في حرب روسيا عليها وموقف ترامب أقل من هذا بكثير.
وهنا يرد التساؤل بين أقطاب الحزب الجمهوري.. كيف ستجمع الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري بين رئيس ونائبه فهذا لم يحدث أبدا في التاريخ الأمريكي؟ الإجابة هنا تنطلق من نقاط عديدة؛ أولها أن ما أقدم عليه بنس في العام 2020 من عدم دعم الرئيس ترامب في محاولته قلب نتيجة الانتخاب بعد إعلان هزيمته هو موقف لا يمكن لترامب أن يتجاوزه ولا يمكن كذلك لبنس أن يعتبره هفوة عابرة منه، بالإضافة إلى أن شهادته أمام هيئة المحلفين كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة بينهما.
في أساس العلاقة بين الاثنين لا بد من الإشارة إلى أن ترامب اختار بنس نائبا له؛ لأن الناخبين الإنجيليين لا يقبلون دعم شخص مثل ترامب، لكن وجود بنس بجواره سيزيل كثيرا من تحفظاتهم.
المشكلة أن مايك بنس برغم قوته في الخطابة وعمله السابق كمقدم برامج يفتقد القدرة على عرض أفكاره للمستقبل بشكل عام دون محاذير؛ فموروث التدين يقف على الدوام عائقا أمام انطلاقه في أطروحات لا يجد الرئيس ترامب حرجا في البوح بها، واليوم وبعد جلسة المحاكمة التي وجهت تهما كثيرة للرئيس السابق ترامب خلال الساعات الماضية يلوح في الأفق تراجع بسيط لترامب في استطلاعات الرأي وهو أمر قد يعول عليه بنس، ولا شك في حملته الحالية داخل الحزب الجمهوري بالإضافة إلى ما أعلنته وزارة العدل الأمريكية من أنها لن تلاحق (مايك بنس نائب الرئيس السابق) في قضية الوثائق السرية في منزل ترامب .
في نظرة على الانتخابات التمهيدية المرتقبة للحزب الجمهوري وبالقرب هنا من الكابيتول؛ فإن فارق استطلاعات الرأي بين كل المرشحين لا تعطي بنس أكثر من 3% في أفضل الأحوال مما يجعل ترشحه أقرب إلى البروباغندا التي تنطلق من إمكانية محاسبة ترامب قانونيا في التحقيقات الجنائية التي تلاحقه، ولا ننسى رون ديسانتيس (المعروف بدفاعه عن القضايا الثقافية المحافظة) والذي لا يمكن أيضا لمايك بنس هزيمته، حسب كل الاستطلاعات.
وإذا كنت بالمصادفة البحتة قد انتهيت من قراءة كتاب مايك بنس الذي نشره هذا الشهر تحت عنوان (ليكن الله في عوني) بالتزامن مع إعلان ترشحه، فإن الخلاصة التي خرجت بها هي أن بنس يعتقد في نفسه أنه (المخلص المرسل) إلى الأمة الأمريكية لينهي ما حدث لها من انتكاسات خلال السنوات القليلة الماضية، حتى ولو كان ذلك (المخلص) لا يمتلك من الجاذبية والكاريزما ما يؤهله لذلك. وهو الذي يقول عن نفسه دوما إنه يفتقد التعامل بلطف واحترام مع من يخالفه وأمريكا التي يريد استعادتها -كما قال في كتابه- لن تتجاوز أصواتها له ولاية (ايوا) التي لا يسكنها إلا الإنجيليون المتدينون أمثاله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة