في العاشر من يونيو/حزيران الحالي، قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بزيارة رسمية لتركيا، على رأس وفد رفيع المستوى، حيث حضر -أيضا- المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا التي أقيمت على ملعب أتاتورك بإسطنبول، بين مانشستر سيتي وإنتر ميلان.
وأجرى سموه خلال هذه الزيارة محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن تعزيز العلاقات الاستراتيجية، "ودفع الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمع البلدين".
التقارب مع تركيا يعد أحد براهين تطبيق مبادىء الخمسين التي اعتمدتها دولة الإمارات لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهاتها في مختلف المجالات للخمسين عاماً القادمة، والتي تكرس قيم التسامح والحوار والسلام وتؤكد أن تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة.
كما يعكس هذا التقارب الإماراتي التركي رؤية استراتيجية شاملة للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ويصب التقارب مع تركيا في خانة مساعي دولة الإمارات لمعالجة الوضع المأزوم في سوريا.
إن التوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ويعيد إليها الأمن والاستقرار يتطلب الحوار المكثف مع تركيا، سواء لجهة عودة اللاجئين السوريين أو إنهاء تواجد تنظيمات الإرهاب على الأراضي السورية، وكل هذا يصب في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليمي، لا سيما في ظل استمرار انتشار عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية، وكذلك مطالبات العديد من الدول بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تخفيفاً للضغوط الواقعة على اقتصادات بعضها، مثل لبنان وغيره.
كما يمثل هذا التقارب أحد ركائز سياسة دولة الإمارات لقيادة جهود تبريد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط من خلال دبلوماسية تستهدف إنهاء التوترات القائمة وإعادة بناء الجسور مع دول إقليمية عدة مثل تركيا وإيران، والدفع باتجاه عودة سوريا إلى حاضنتها العربية ودعم جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا واليمن والعراق وغيرها، فضلاً عن قيادتها لجهود استئناف مسيرة السلام العربي – الإسرائيلي؛ بتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل في منتصف أغسطس/آب عام 2020، في نقلة نوعية للأمن والاستقرار الإقليمي، ودفع جهود دبلوماسية التنمية والاستقرار وبناء طريق ثالث، والبحث عن خيارات ومسارات بديلة لمعالجة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في ظل انسداد أفق الحلول السياسية التي تشهد جموداً مزمناً لا يخدم سوى تنظيمات التطرف والإرهاب والمتاجرين بالقضية واختزالها في شعارات دعائية تعمل في اتجاه مضاد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة.
تمثل التحركات الدبلوماسية الإماراتية باتجاه تركيا وغيرها نهجاً تشاركياً يعكس رؤية دولة الإمارات وميلها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، بما يعكس قدرتها على أداء دور فاعل في مجلس الأمن الدولي.
فدولة الإمارات لا تسعى للجمع بين المتناقضات كما يتصور البعض، بل تريد تشاركًا بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها، وإقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع.
وليس مفاجئاً أن تطرق دولة الإمارات -التي تمتلك أهدافًا طموحة، كالتي وردت في وثيقة مبادئ الخمسين، أو التي تعلنها القيادة الرشيدة بأن الطموحات لا سقف لها سوى السماء-، أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت، لاسيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمكاسب اقتصادية وتجارية، بل برغبة صادقة في نشر قيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر عالمياً.
لذا ليس من باب المنطق أن تُبذل كل هذه الجهود في التقريب بين البشر سواء من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، في حين لا تستطيع اختراق الحواجز في علاقاتها الثنائية مع أطراف إقليمية مثل إسرائيل أو تركيا أو إيران، ناهيك عن سوريا، حاضرة الثقافة العربية العريقة التي لا يمكن للعرب مواصلة الابتعاد عنها أو إقصائها من منظومة العمل العربي المشترك بكل ما يعنيه ذلك من تبعات استراتيجية سلبية للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة